نهايات مفجعة

حسني عايش العسكر الذين قاموا بالانقلابات على أنظمة الحكم الوطنية الديمقراطية في بلدانهم بحجة فسادها أو خيانتها القومية أو لكليهما، هل نجت نظمهم العسكرية من إحدى التهمتين أو من كليهما، وهل توقعوا مصيرهم المفجع؟ هل توقع عبد الناصر مصيره؟ لقد تعرض لهزيمة تاريخية مذلّة. وهل توقع صدام حسين مصيره؟ لقد هُزم هزيمة منكرة ومذلة على يد الغزو الدولي للعراق، وأعدم شنقاً. وهل توقع الأسدان مصير سورية المدمرة بالحرب الأهلية والطائفية والتفتيت ونزوح أهلها وفرارهم إلى كل أنحاء الدنيا؟ وهل توقع القذافي مصيره؟ لقد قطعوه إرباً، إرباً وكذلك فعلوا في ليبيا. وهل توقع علي عبد الله صالح مصيره؟ لقد قضي عليه على يد الذين كانوا معه. وهل توقع عبد العزيز بوتفليقة نهايته المذلّة حيث تم كنسه وكبه من المكتب خارجه. وهل توقع البشير الذي كان يداعب عصا المارشالية ويهدد بها، مصيره المذل؟ لقد تسبب بتقسيم السودان وما يزال حبل التقسيم يجر. بما انك فهيم لما تقرأ ستكتشف أن الجامع المشترك الأكبر لهؤلاء هو حب السلطة الذي أتى على النظم الديمقراطية البازغة في حينه، وبخاصة في مصر والعراق وسورية وليبيا والسودان… لقد سدوا طريقها ومنعوها من النمو والتطور كما حدث في البلدان الديمقراطية الرائدة. لو استمرت تلك النظم – أعني الديمقراطية الأولية- ما وقعت تلك الهزائم، وما تعرضت شعوبها إلى التضليل وسوء المصير. إنهم وقد جاءوا بانقلاب ظلّوا يخشون وقوع انقلاب عليهم. ولذلك ظلّوا مشغولين ليل نهار بنقل كبار الضباط من مركز إلى آخر، أو بتعيينهم ملحقين عسكريين في الخارج… أو بإحالتهم إلى التقاعد أو بإشغالهم في المقاولات والصفقات والعمولات…، وهكذا تغيرت وظيفة الجيش من السهر على حماية الوطن، إلى الانغماس بالبزنس، أو على السهر على حماية القائد أو المشير أو الرئيس الذي نجح بالانقلاب، وربما مرتين: الأولى على النظام السابق، والثانية على الرفاق. ولذلك لم تستطع جيوشهم الصمود أمام الأعداء ما لم يكونوا من جنسهم. مشكلة هؤلاء الانقلابيين الثانية أنهم كانوا جهلة سياسياً، وغير مدركين لعلاقات القوة في العالم. كانوا يستمدون غرورهم من إعلامهم الذي يطبل لهم، ومن النفاق الشعبي لهم. وعليه قالوا في هزيمة سنة 1967: كنا نظن أن «الإسرائيليين»، سيهاجموننا من الشرق فإذا بهم يهاجموننا من الغرب. كما لم يكن صدام حسين قبيل الهجمة الإمبريالية الصهيونية الكبرى على العراق سنة 2003 ليجرؤ على التنقل بين قطع الجيش الذي أُهنك بل أُهلك مما عاناه من ويلات. وقس على ذلك. ومع هذا يوجد من يبكي على حكم هؤلاء، ويتمنى «استرجاعهم»، فنشأت السلفيات: من ناصرية، إلى صدامية، إلى قذافية إلى بشيرية… طبعاً أنا لا أخون أحداً منهم فقد كانوا صادقين في شعاراتهم، ولكنهم كانوا في الوقت نفسه واقعين في إطار الاحتواء الاختياري دون أن يدروا. لا تذكرونا بهزيمة 1948/1949، فقد وقعت عندما كانت جميع الدول العربية المشاركة فيها في حينه غير مستقلة تماماً أو استقلت في الأمس وغير مقدرة لقوة العصابات الصهيونية فهُزمت في المعركة، وضيعت ثلاثة أرباع فلسطين. ركزوا على الذين قاموا بالانقلابات بعدها لمحو العار فضاعفوه وضاعفوا مكاسب «اسرائيل». قارنوا نظم هؤلاء الانقلابيين «بالنظام الإسرائيلي» الذي لم يتوقف لحظة عن ديمقراطيته (العنصرية) وعلى الرّغم من حالة الحرب: انتخابات دورية، وحكومات برلمانية، وزعماء يذهبون وزعماء يأتون، وجيش مكرّس ومركز على حماية «الدولة الصهيونية»، وغير مشغول بالسياسة والانقلاب. ولهذا فازت إسرائيل في كل معركة (ما عدا في لبنان والأسباب تعرفونها) وفي كل عملية استخباراتية لتصفية الخطرين عليها من أبناء الوطن، كما كسبت الرواية وخسرناها وأصبحت مقاومتها إرهاباً، فيا للأسف، بل فيا للعار ويا للشنار لأبطال هذا القمار. والخلاصة أنه فلما ينتصر نظام ديكتاتوري مهما كان قوياً على نظام ديمقراطي مهما كان ضعيفاً. قد ينتصر على نظام ديكتاتوري مثله. والثانية أن الانقلاب يذهب غالباً بانقلاب أو يسقط باحتراب. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان