أرواح صغيرة وتحديات كبيرة!

أعاد جلالة الملك عبدالله الثاني في اجتماع قصر الحسينية، منذ أيام قليلة فتح ملف التدخين، محذراً من الخطر المحدق الذي يتربص بالأردن، وخصوصاً أطفالنا وأبناءنا من طلبة المدارس، مطالباً بحمايتهم وتوعيتهم بالمخاطر باعتبارها أولوية ملحة. 

اضافة اعلان


ونتيجة للزيادة المطردة في أعداد المدخنين، تربع هذا الموضوع الشائك على قمة هرم أولويات الحكومة والمسؤولين في المملكة الأردنية الهاشمية لوضع استراتيجية وطنية لمكافحة التدخين وحماية المجتمع الأردني من آفة التدخين، ومن موقعي في مركز الحسين للسرطان فإن مثل هذا الموضوع ما كان له أن يغيب، فأنا أعتبره قضية مقلقة في غاية الخطورة، لا تقل أهمية عن قضايا ملحّة أخرى مثل الفقر والبطالة، بل إن هنالك ارتباطاً وثيقاً بينها جميعاً.


وحقيقةً لا ألتفت كثيراً إلى تصنيفات الدول وترتيبها عالميا على سلم انتشار استهلاك التبغ ومنتجاته، فهو سباق محموم نحو الهاوية، وليس هناك من ميزة أو غاية في تصدره، لكن ما يقضّ المضاجع هو تصنيف الأردن في قلب المنطقة الحمراء بين دول العالم في استهلاك التبغ. وإن نسب التدخين تؤول إلى الارتفاع بشكل لافت بين اليافعين وهذا الأمر وحده كاف لدق ناقوس الخطر بقوة، للوقوف على حجم الكارثة التي يواجهها الأردن.


وقد جاء الحديث الملكي في مكانه عندما تناول خطورة ظاهرة ممارسة التدخين لدى الأطفال، فنحن نعلم أن هذه الفئة هي الأكثر استهدافاً من قبل شركات التبغ والأطول عمراً على قوائمها، فالمدخن اليافع اليوم يصبّ حتماً في نهر المدخنين الكبار بل أن هذا النهر سيستمر بالجريان والتدفق مع الوقت ليتحول إلى فيضان يأخذ في طريقه الأخضر واليابس.


ولا يخفى على أحد الآثار المدمّرة المترتبة من ممارسة التدخين على الصحة العامة  واقتصاد البلد، وأن أيّ مكاسب مادية قد تحققها الحكومة في هذا المجال، هي آنيّة وسندفع مقابلها قناطير مقنطرة تُصرف على علاج المرضى الذين يعانون من الأمراض المزمنة المرتبطة بالتدخين مثل القلب والشرايين أو أمراض السرطان والتعطل عن الإنتاج. فعلاج مريض واحد مصاب بسرطان الرئة والذي يرتبط 80 % من حالاته بالتدخين تكلّف الدولة ما يقارب مائة ألف دولار أميركي، وإذا ما علمنا أن سرطان الرئة هو الأكثر انتشاراً بين الرجال الأردنيين، فلك أن تتخيل الكلفة الاقتصادية العالية لعلاج هذا المرض، ناهيك عن أن أكثر من عشرة أنواع أخرى من السرطان مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتدخين. لا شكّ أن حصر مشكلة تدخين الأطفال في بعدها الصحي فقط هو تبسيط للمشكلة، فالمشكلة لها بعد اجتماعي مهم، فغالباً ما يبدأ الطفل بالتدخين تحت ضغط وتشجيع الأصدقاء أو بحثاً عن الاستقلالية والتمرد على الأسرة، ويساهم بذلك سهولة الحصول على منتجات التبغ من خلال تدنّي أسعارها أو توفرها في المنزل أو بيعها في أماكن قريبة من مدارسهم، حيث بينت دراسة بحثية قام بها فريق من مركز الحسين للسرطان أن أكثر من نصف محلات البقالة المحيطة بالمدارس تبيع مادة التبغ وهذا مخالف لقانون الصحة. وإذا ما ترافق هذا كله مع مجتمع يمارس التطبيع مع هذه العادة ولا ينكرها ومدارس فضلت الانسحاب من دورها التربوي وحصرته بالتعليم، وأُسر غير مبالية؛ فإن الطفل يجد نفسه مُنساقاً إلى هذا الأتون.


وبرأيي تبدأ جهود مكافحة التدخين بتحسين قاعدة البيانات حول واقع التدخين بحيث تخضع هذه البيانات للتحديث المستمر، وفي المجال التشريعي فإن قانون الصحة العامة يعتبر قانوناً جيداً على الورق؛ لكن تطبيق هذا القانون ما يزال دون المستوى المطلوب، وبالتزامن مع تطبيق القانون وحماية الشباب من الدخول إلى عالم التدخين، فيجب علينا التوسع في مد يد العون للمدخنين الذين يرغبون بالتوقف عن التدخين من خلال التوسع في انشاء عيادات الإقلاع عن التدخين، كما يجب التشدد في منع كافة أنواع الدعاية والإعلان من قبل منتجي التبغ والتصدي لمحاولات هذه الشركات التدخل في السياسات وتطبيقها كما يجب إعادة النظر في نسبة الضريبة المفروضة على منتجات التبغ.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا