إسرائيل بين "الأزمة الدينية" و"القائمة النسبية"

د. أحمد جميل عزم- بينما تتسع الأزمة في الشارع الإسرائيلي، عبر المظاهرات الاحتجاجية، والاعتراضات، على مجموعة قوانين خاصة بالقضاء تريد حكومة الثلاثي، بنيامين نتنياهو، بتسلئيل سموتريش، وإيتمار بن غفير، تمريرها لتعزيز قبضة السياسيين على الحكم، وهروبهم من المحاسبة القانونية، فإنّ جوهر الأزمة هو دخول الجماعات الدينية في المشروع الصهيوني مرحلة جديدة في قوتها، كما أنها تؤكد أن نظام انتخابات القائمة النسبية المتبّع إسرائيلياً، يقود لحالة انقسام تتمكن معها أحزاب صغيرة من السيطرة على المشهد. منذ الحرب العالمية الأولى، توصلت النخب القومية الصهيونية اليهودية إلى تسوية مع الجماعات الدينية التي كان لها توجه أصولي رافض لمجمل فكرة دولة لليهود في الوقت الراهن، بإعطاء هذه الجماعات قدرا من الاستقلال والصلاحيات والإمكانيات والأموال لإدارة شؤون الأفراد المنتمين لها، خصوصاً أن هذه الجماعات عبرت عن خلفية إثنية، فكل جماعة تعبر عن طائفة أو يهود من بلد أو منطقة ما هاجروا منها. مقابل هذه “الرشوة” قللت هذه الجماعات ضجيجها حول شرعية الدولة، وركزت على شؤون أفرادها الخاصة ومؤسساتها ومصالحها. بمرور الوقت وكما هو حال كل الجماعات الدينية في العالم، من الأديان المختلفة، ينتقلون من التركيز على العبادات والأمور الشخصية والاجتماعية، إلى بناء شبكات مصالح اقتصادية ومؤسسات تتحول لآلية لتوليد فرص عمل ومصدر قوة وهيمنة، ثم تتحرك هذه الجماعات بكل قوتها للوصول للحكم، وبمجرد تسلم السلطة، تبدأ بتغيير القوانين لإبعاد القوى الأخرى في المجتمع، سواء أكانت دينية منافسة أو علمانية، ويبدأ وضع قوانين تمنع محاسبة هذه الجماعات وأفرادها سياسياً أو حتى جنائية، بادعاء نوع من العصمة الدينية، وادعاء أنهم يعبرون عن القرار الشعبي. في الحالة اليهودية، تاريخياً كان هناك تياران دينيان رئيسان، الأول الأصولي وهذا التيار دخل البرلمان والسياسة ليحصل على موارد وإمكانيات أكبر من الحكومات. والثاني الصهيونية الدينية، التي تبنت تفسيرا جديدا للدين يسمح بممارسة السياسة والوصول للحكم طريقةً لإقامة الدولة الدينية. منذ مجيئه للحكم أول مرة عام 1996، قام نتنياهو بتقوية الجماعات الدينية الأصولية والصهيونية، بهدفين الأول الحصول على دعمهم، وثانياً لإدراكه أن هؤلاء سيحصلون على أصوات من طوائفهم وجماعاتهم بما يجعلهم مجموعات ذات عدد مقاعد محدود، فلا يستطيعون منافسته في رئاسة الحكومة. يرتبط هذا بنظام القائمة النسبية في إسرائيل، حيث يحصل كل حزب على عدد مقاعد يتوازى مع نسبة الأصوات التي حصل عليها، ولا يوجد مثلا نظام الدوائر الانتخابية التي يفوز فيها من يحقق أعلى أصوات، بل يتم تقاسم مقاعد البرلمان (الكنيست) بناء على عدد الأصوات. في الانتخابات الأخيرة صعدت أحزاب الصهيونية الدينية، وأخذت حصة صغيرة نسبياً لكن كافية لفرض ما تريد خصوصاً مع ضعف نتنياهو. على سبيل المثال لدى حزب وزير المالية سموتريش (الصهيونية الدينية) سبعة مقاعد، أي أقل من 6 بالمائة من مقاعد البرلمان، وبن غفير 6 مقاعد (حزب القوة اليهودية) أي 5 بالمائة، تشاركا مع الليكود وله 32 مقعدا (نحو 26 بالمائة). وهكذا فإنّه لا يوجد حزب يستطيع القول إنّه يعبر فعلاً عن رأي الشارع، ومنطق القائمة النسبية نظريّاً أن يتشارك أكبر حزبين في الحكم، أو حزب كبير وواحد صغير، وبالتالي يحصل تكامل وتوازن، لكن ما يحدث غير هذا، (الحزب الثاني هو يوجد مستقبل (24 مقعدا). يبدو لدى نتنياهو أجندة واحدة هي البقاء في الحكم والهرب من محاكمات الفساد بتغيير القانون، وباقي السياسيين يسعون لذات الأمر، خصوصا شاس (11 مقعدا والحزب الثاني في الحجم في الحكومة) الذي منع رئيسه من دخول الحكومة بسبب إدانته بجرائم. النظام السياسي الإسرائيلي أصبح بفضل القائمة النسبية والانقسام الديني والإثني، يكرّس فكرة “أمراء القبائل”، حيث لكل سياسي “قبيلته” السياسية والطائفية، الفرعية الصغيرة، التي توصله للكنيست، ثم يحدث تبادل مصالح ضيقة، لدرجة كما رأينا في هذه الحكومة تعيين وزيرين في وزارة واحدة، وتقسيم الجيش والشرطة، ووضع ميزانيات لخدمة السياسيين والطوائف، وليس ميزانية دولة. مستقبلاً سيكون هناك المزيد من الاستقطاب في الشارع الإسرائيلي، لكن أحد السيناريوهات هو تصعيد الهجمة على الفلسطينيين كنوع من اكتساب الشرعية، وكبح المعارضين من إثارة مشكلات الفساد السياسي والمالي. المقال السابق للكاتب إضرابات “نقابية” تحت الاحتلالاضافة اعلان