اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين: مخاوف وتساؤلات

أحمد عوض- مخاوف وتساؤلات عديدة تضعها عشرات المنظمات المدنية ومراكز البحوث والخبراء المستقلين أمام إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي خلال اجتماعات الربيع التي تعقدها المؤسستان الاقتصاديتان الأكثر نفوذا في العالم حاليا في العاصمة الأميركية واشنطن. إلى جانب القضايا التقليدية التي يطرحها مختلف المشاركين في هذه الاجتماعات سواء أكانوا ممثلين لحكومات أو مجتمع مدني أو خبراء في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وغيرها، حيث التركيز على فرص الحصول على مزيد من التسهيلات والقروض والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي للدول سواء المنخرطة في برامج مشتركة مع صندوق النقد الدولي أم لا. وفي هذا الجانب من الضروري الإشارة الى أن صندوق النقد يلعب دورا في رسم ملامح السياسات الاقتصادية التي تطبقها البلدان المرتبطة معه ببرامج مشتركة، إذ إن بنية الاقتصاد العالمي السائدة حاليا منحت الصندوق “المفتاح السحري” الذي من خلاله تستطيع بواسطته حكومات الدول التي تعاني اقتصاداتها من مشكلات تهدد استقرارها، الحصول على قروض تنموية من مؤسسات التمويل الدولية المختلفة أو الدول الغنية، أو حتى من القطاع المصرفي العالمي الذي يمتلك فوائض مالية كبيرة وبحاجة إلى أسواق للعمل فيها بأدوات تمويلية مختلفة. بدون شهادة صادرة عن صندوق النقد الدولي تفيد أن هذا البلد أو ذلك يقوم بتطبيق سياسات اقتصادية تتفق مع فلسفته، فإن أبواب غالبية مصادر التمويل الخارجية الموجودة في هذا العالم ستكون مغلقة أمام هذه الحكومات للحصول على تمويل يغطي عجوزات موازناتها و/أو الحسابات الجارية لموازين المدفوعات، ما يعرضها لمخاطر مالية واقتصادية لا تعرف مدياتها. عودة الى المخاوف والتساؤلات، فإن من أهم القضايا التي يتم مناقشاتها من قبل الخبراء والمراكز البحثية المستقلين وممثلي تحالفات منظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، فيما إذا كان فرض رسوم إضافية إلى جانب الفائدة على قروض بعض الدول إذا تجاوزت سقفا معينا يعد عادلا، وتوائم ما يعلنه الصندوق عن مساعدته للدول التي تعاني اقتصاداتها من مشكلات هيكلية عميقة، اذ أن من شأن فرض هذه الرسوم الإضافية أن يعمق من مشكلات هذه الدول التمويلية وبالتالي الاقتصادية، وهي الأكثر حاجة للمساعدة وليس لزيادة الضغوط. كذلك الحال بالنسبة للمخاوف من امتلاك صندوق النقد والبنك الدوليين لحلول ناجعة لمشكلة الدين العالمي والتي تتفاقم بشكل خطير، ويقارب ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، حيث يرى العديد من الخبراء الوازنين أن سياسات الصندوق المعمول بها لا تمتلك أية حلول فعلية لوقف التدهور في تفاقم هذه المشكلة، وتضع مجمل الاقتصاد العالمي على صفيح ساخن، ومعرض للانفجار في أي وقت. كذلك، يطرح بعض الخبراء تساؤلات حول عدالة توزيع حقوق السحب الخاصة التي وزعها صندوق النقد الدولي على الدول قبل عامين لمواجهة التحديات الناجمة عن جائحة كورونا، حيث تم توزيعها بطريقة لم تأخذ بعين الاعتبار مستوى حاجات الدول لهذا التمويل، وأشارت بعض الدراسات أن الدول الغنية هي التي حصلت على نصيب الأسد من هذه التوزيعات على حساب الدول الفقيرة والأكثر حاجة لها. الى جانب ذلك، هنالك مطالبات بإجراء تعديلات على سياسات مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، بهدف انصاف المتضررين من المجتمعات المحلية جراء الأضرار التي تعرضوا لها خلال تنفيذ المشاريع الممولة من قبلها. بالإضافة الى التساؤلات المطروحة خلال الاجتماعات حول مدى نجاعة السياسات التقشفية التي يفرضها صندوق النقد على مساعدة الدول للخروج من مآزقها المالية والاقتصادية مثل عجز الموازنات العامة والحسابات الجارية والدين العام، وعلى اقتصادات الناس والمستويات المعيشية للغالبية الكبيرة منهم. وكذلك مساهمة هذه السياسات في تحفيز الاقتصادات على النمو الشمولي، فهنالك العديد من الأمثلة خاصة من منطقتنا العربية، لم تسهم فيها هذه السياسات في تجاوز هذه التحديات المالية والاقتصادية بعد تطبيق العديد من البرامج المشتركة مع الصندوق. كذلك سيكون مطروحا خلال الاجتماعات مواضيع مثل اصلاح حوكمة صندوق النقد والبنك الدولية والقوى التصويتية غير العادلة، حيث يمتلك عددا محدودا جدا من الدول الأغلبية التصويتية على حساب العدد الأكبر من الدول، والتي تعكس عدم عدالة النظام العالمي القائم حاليا في الوقت الراهن. بالإضافة الى دور المؤسستين الدوليتين في تحقيق العدالة المناخية والتمويل الأخضر. وسيتم تناول العديد من القضايا المطروحة للنقاش في مقالات لاحقة، ومن خلال مشاركة كاتب هذه السطور في العديد من الاجتماعات والجلسات النقاشية في اجتماعات الربيع المعقودة حاليا في واشنطن. المقال السابق للكاتب أزمة المصارف العالمية: الجانب غير المرغوب الحديث عنهاضافة اعلان