الاقتصاد الإسرائيلي والحرب على غزة

يبدو واضحا أن الأثمان والخسائر التي يتكبدها اقتصاد دولة الاحتلال الإسرائيلي يختلط بحساباتها الإستراتيجية المعقدة، إذ إنه ونظرا للتأثير الاقتصادي الكبير على اقتصادها، فقد أصبح من الواضح بشكل متزايد أن هذا العامل من غير المرجح أن يردع الأهداف العسكرية الإسرائيلية على المدى القصير.

اضافة اعلان


فقد تجاوزت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة المائة يوم، وأدت حتى الآن إلى استشهاد وفقدان وإصابة ما لا يقل عن مائة ألف فلسطيني، ما يقارب 4 بالمائة من سكان غزة، وتدمير الغالبية الكبيرة من البنية التحتية للقطاع، وغالبية المباني والمساكن، وهي منظورة الآن أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.


فمن جانب آخر، شهد الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي، الذي يبلغ حوالي 500 مليار دولار سنويا، تراجعا ملموسا تقدره بعض مراكز الأبحاث الاقتصادية الإسرائيلية بنسبة 2 % في الربع الأخير من عام 2023. بالإضافة إلى ذلك، تأثرت إنتاجية وكفاءة القوى العاملة الإسرائيلية سلبا بسبب الظروف العامة التي تفرضها الحرب. وهذا يزيد من الضغوط على سوق العمل، حيث تم تقديم ما يقرب من 200 ألف مطالبة بتعويضات البطالة، وتفاقم ذلك بسبب تعبئة جنود الاحتياط، ومنع العمال الفلسطينيين من العمل داخل الخط الأخضر.


علاوة على ذلك، تتفاقم التحديات الاقتصادية التي تواجهها إسرائيل بسبب الضغوط التضخمية، خاصة مع انخفاض قيمة الشيكل الإسرائيلي مقابل العملات الرئيسية مثل الدولار الأميركي. واثرت الحرب بشدة على قطاع السياحة والأنشطة الاقتصادية المرتبطة به، وغيرها من القطاعات والأنشطة الاقتصادية الأخرى. وقد ترددت أصداء هذه التحديات في تحذيرات وكالات التصنيف الائتماني، مثل موديز، وستاندرد آند بورز، وفيتش، التي أعربت عن مخاوف بشأن جاذبية الاستثمار في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة في قدرته جذب الاستثمار الأجنبي، ما قد يؤثر سلبا على ميزاته التنافسية على المديين القصير والمتوسط.


على الرغم من هذه التحديات، فإن نهج قادة دولة الاحتلال تجاه الحرب، يتشكل من خلال تصور التهديدات الإستراتيجية للدولة. حيث اعتبرت أعمال المقاومة في السابع من أكتوبر بمثابة ضربة قوية لقدرة الردع الإسرائيلية ومكانتها الدولية -وبعضهم يعتبرها هزيمة قاسية. ولذلك يرى صناع القرار الإسرائيليون أن استمرار الحرب لتحقيق أهدافها أو بعضها، خيار إستراتيجي لا بديل عنه.


وللتغلب على الآثار الاقتصادية للحرب وأثمانها الباهظة، تعتمد دولة الاحتلال بشكل كبير على المساعدات المالية من حلفائها مثل الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا. ومن المتوقع أن تزيد هذه المساعدات مع استمرار العدوان على غزة.


وفي حين يعتقد الساسة الإسرائيليون أن خسائر الحرب المباشرة -والذي يقدر بنحو 250 مليون دولار يومياً- وما سينتج عنها من عجز كبير في موازنة الحكومة، من الممكن تعويضها من خلال مساعدات حلفائها، فإن إصلاح الضرر البنيوي الذي لحق بالاقتصاد سوف يكون أكثر صعوبة. وستتطلب القطاعات المعطلة وقتا وموارد كبيرة للتعافي، مما يشكل تحديات طويلة المدى للاقتصاد الإسرائيلي.


الخلاصة، من المتوقع أن تؤثر التكاليف والخسائر الاقتصادية التي تكبدتها دولة الاحتلال الإسرائيلي في حربها الطويلة على غزة على إستراتيجيات وأساليب الحرب، ولكن ليس إلى الحد الذي يعجل بإنهاء الحرب. ومن المرجح أن تستمر إسرائيل في حربها على غزة، مدفوعة بالحاجة إلى تحقيق نصر ملموس أو ما يشبهه (صورة نصر). استنادا إلى فرضية أن الاعتبارات الاقتصادية للحرب تظل ثانوية، بالنسبة للاعتبارات الإستراتيجية لدولة الاحتلال.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا