الانتخابات البرلمانية.. هل نحن جاهزون؟

لا أقصد الجهوزية الإجرائية، سواء ما يتعلق منها باختصاصات الهيئة المستقلة للانتخاب، أو باقي أجهزة الدولة المعنية بتوفير المتطلبات اللوجستية اللازمة للعملية الانتخابية. فهناك ما هو جاهز وتحت الطلب، مثل القوائم الانتخابية التي أعلنت دائرة الأحوال المدنية مبكرا انها فرغت من إعدادها، وان وضعها بصيغتها النهائية وعرضها أمام الناخبين محكومة بمواعيد نص عليها القانون، ولا توجد أي مشكلة في ذلك. 

اضافة اعلان


وبحسب علمي فإن كافة المتطلبات أصبحت جاهزة ومنها تحديد مراكز الاقتراع وتدريب أعضاء لجان الاقتراع والفرز وتوفير كافة الأجهزة والخدمات المساندة. وأن كافة الجهات المعنية بانتظار صدور المرسوم الملكي السامي بإجراء الانتخابات، وما يلزم ذلك الإجراء من ترتيبات حددها الدستور وأعطى صلاحية التصرف بها لجلالة الملك. 


من هنا، فالجهوزية موضع السؤال لا تتعلق بالإجراءات الدستورية المرتبطة بصلاحيات جلالة الملك، باعتبارها صلاحيات مصونة، لا ينازعه بها أي طرف، ضمن إطار مؤسسي مظلته الدستور، وساحته دولة المؤسسات والقانون، ولا بالتطبيقات القانونية التي تختص بها مؤسسات الدولة وفي مقدمتها الهيئة المستقلة للانتخاب، وإنما ما إذا كانت مؤسساتنا الشعبية جاهزة للتعامل مع هذا الاستحقاق الدستوري الأكثر أهمية على مستوى الوطن، حيث تنطلق عملية إصلاح واسعة، نبني عليها أملا كبيرا في إحداث التغيير المطلوب، وتحديدا على مستوى البرلمان، وفي مجال التحول من الإطار الفردي في الترشح والانتخاب والأداء، إلى الإطار الحزبي بكل ما تعنيه العملية من نقلة نوعية نحس جميعا بحاجتنا الماسة لها. وما ينتج عن تلك الخطوة فيما إذا نجحت من تطور سياسي ينعكس على كافة مجالات الحياة. 


في مقدمة التساؤلات التي تطفو على السطح وصولا إلى مبدأ الجهوزية، ما إذا كانت الانتخابات ستجري كشأن محلي منفصل عن كل ما هو خارج حدود الوطن، وبحيث لا تتأثر بأي مجريات خارجية مهما كانت قريبة من عقولنا ونفوسنا. 


وفي السياق ذاته، أن لا يسمح لأي طرف ـ داخلي أو خارجي ـ باستغلال الأحداث ـ خارج إطار الموقف الأردني ـ لتحقيق مكاسب سياسية. 


في ذلك تبدو الحرب البشعة التي تشنها حكومة التطرف في إسرائيل بدعم أميركي مطلق على رأس تلك الأحداث التي لها انعكاسات على الوضع الداخلي، والتي نسلّم جميعا بأنها قضيتنا، ونحاول كل جهدنا القيام بكل ما نستطيع لدعم الأهل في غزة وفي كل فلسطين، وهو دعم سياسي متميز، وإنساني مطلق، لكنه محكوم بما تسمح به ظروف العدوان. 


عودة إلى السؤال حول الجهوزية فمن يرصد الحالة يدرك أن الأحزاب السياسية التي خصصت لها حصة كبرى من المقاعد البرلمانية ما زالت تتلمس طريقها، وهناك إحساس بأنها ليست قادرة على التعامل مع واقع صعب كالذي نعيشه. فبشاعة العدوان لم تترك لأحد مجالا للتفكير بغير ما يجري على أرض فلسطين، والأحزاب السياسية المحلية التي ما تزال وليدة تجد نفسها منجرة ضمن تيار واحد قد يتقاطع أحيانا مع محلية الحدث، والتطورات المتسارعة قد تؤدي إلى توجيه المخرجات في اتجاهات لا تتواءم مع برامج وخطط الإصلاح السياسي.  


يساعد في ذلك ما أثير ـ محلياـ حول وجود شبهات دستورية في بعض نصوص قانون الانتخاب، الذي ـ وإن كان قد مر بكافة مراحله الدستورية ـ لن يقلل من شأنه أن تعرض التحفظات على المحكمة الدستورية لبيان الرأي بخصوصها. 


يدفع بهذا الاتجاه أن من أطلقها ليس شخصا عاديا اجتهد ورد عليه آخرون، وإنما شخص كان في موقع المسؤولية ضمن إطار الاختصاص. وعرضها لا يقلل من شأن من وضعها أو أقرها، وإنما زيادة في الاطمئنان على مستوى الشارع الذي يأخذ مثل تلك الملاحظات بكل اهتمام ويحاكم الأمور بقدر من التحفظ.يزيد في ذلك ما يواجهه الأردن من استهداف يتعدى تشويه مواقفه المتعلقة بنصرة الأهل ومساندتهم سياسيا وإنسانيا، ويقترب من مستوى التحشيد ضده. ومن يتابع بعض المحطات الفضائية، والمواقع الإلكترونية، يدرك حجم الاستهداف، الذي يتعرض له الأردن، والذي يتزامن مع حملة بشنها المتطرفون الصهاينة، ضد الأردن، وهي حملة يستغلها البعض في رسم صورة غير مريحة، ويمارسون البناء عليها وتسويقها أمام الشارع، وفي الخارج متناسين أن الأردن واثق من ممارساته، ملتزم بقناعاته وثوابته، لا يحيد عنها. وأن ممارسات أصحاب الحملات المسعورة ليست جديدة، ولم تكن في يوم من الأيام أقل ضررا مما هي عليه الآن. 


من هنا، ومع كل الثقة بمؤسساتنا الدستورية بدءا من مؤسسة العرش ومرورا بالسلطات الثلاث، فالإحساس العام بأن تأجيل الانتخابات ـ ولو لعدة أشهر ـ قد يكون الإجراء الأكثر مناسبة لكافة أطراف العملية الانتخابية، والأكثر سلامة لمخرجاتها. 

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا