"العروس"

ما يزال مصطلح "التنمر" حديثاً في مجتمعاتنا، ولم يمضِ على استيراده أكثر من عدة سنوات.


لكنه جاء كحل مناسب، لعدد كبير من القضايا والحادثات التي لم تكن تجد تصنيفاً مناسباً، فهرع الناس لجمعها ووضعها كرزمة كاملة في هذه السلة أو تحت هذا العنوان.

اضافة اعلان


والحقيقة أنه تزامن أيضاً مع استيراد عدد ضخم من "وسائل التواصل الاجتماعي"، مرفقة بنسخة بدائية، أو إصدار قديم، من الديمقراطية أو ما يمكن تسميته احتياطاً بـ"المسموحات الاجتماعية".


وإن شئت، فقد تزامن ذلك أيضاً مع "تبعات صغيرة" للربيع العربي، شحنت الناس بقوة وشراسة غير مدروسة للهجوم على كل شيء وعلى أي شيء.


وهنا انفلت جزء كبير من الناس للهجوم على الجزء الآخر، كأن غريزة ما تدفعهم مفادها بأن عليك أن تكون الصياد كي لا تكون الضحية المقبلة. فلا مناص هنا من فكرة الغابة وشريعتها!


وهو ما دفع الكثيرين لاكتشاف صعب، ومحير، وهو أن العيش في ظل حكم "غير ديمقراطي" ولكن في مجتمع متسامح ومتعاضد ومتفهم، ربما كان (يا للأسف) أفضل من العيش في ظل حكم "متسامح" ولكن في مجتمع متفسخ ومتحارب ومنخور بالثارات والأمراض.


أي أن "ديكتاتورية المجتمع" أشد قسوة من "مجتمع الديكتاتور"، وأن الأدوات الذكية (كالانترنت مثلاً) قد تكون مدمرة إن وضعت في أيدي وفي متناول مجاميع غبية. 


قد يسخط البعض هنا ويصرخ: "يا أخي خلي الناس تحكي.. شو بيأثر عليك"، وفي الحقيقة لن يؤثر عليّ بشيء. ولن يؤثر على أحد بشيء. لكن ذلك الخطاب المتهافت والسقيم له أثره بعيد المدى، عليّ وعليك وعلينا جميعاً. وسيخلق وعياً سالباً، ويؤجج مجتمع الكراهية، ويشعل (كلما بردت) نار الفتن والعنصرية والطائفية والطبقية و..و...


لا يجوز بحال من الأحوال استخدام أدوات العصر الحديث، والأجهزة الذكية، في إصدار طبعات جديدة من ثقافة التخلف والجهل والنميمة والتطفل والتنمر. ولا يجوز لأحد أن يتطاول على خصوصية أحد بدعوى الديمقراطية وحرية الرأي، فليتزوج من شاء بمن شاءت، وليحتفل من شاء بما شاء، وليتصور كل شخص حياته كما يريد، وليلبس ويأكل ويلتقط الصور ويسمع الأغاني التي تروق له، ما دام ذلك لا يحدث في باحة منزلك أنت ولا يقيم عرسه في حديقة بيتك، فما علاقتك؟!


ولماذا يستنفر عموم أفراد المجتمع كل أدواتهم لمناقشة "عرس" لا ناقة لهم فيه ولا عروس، فيبدون "رأيهم الملزم" في ديانة العريس أو سنه أو مصدر دخله، أو مناقشة احتراف لاعب في ناد غير ناديه، أو فستان مطربة أو طلاقها، وكل ذلك بعبارات جارحة لا تقيم وزناً لمشاعر أو أعراف.


ربما أن "الهدية المفاجئة" التي تلقتها المجتمعات العربية، وتمثلت في "منصات التواصل الاجتماعي" أربكت الناس في وقت لم يكونوا جاهزين لاستخدامها، وخصوصاً أيضاً أن "الكاتالوغ" المرفق معها جاء يحذر من موانع استخدام كثيرة، فلم يجد الناس بُداً من التهام بعضهم، وذلك قد يكون مفهوماً في مجال الدراسة النظرية عند المختصين، وهم يقرأون تطور المجتمعات أو تخلفها، لكنه على المدى القريب والمستعجل يتسبب بأزمات خطيرة في مجتمعات هي في الحقيقة "فيها اللي مكفيها"!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا