المرابحة ومرونة تمويل الاستثمار

تنوع صيغ التمويل في المصارف الإسلامية صبغ عليها طابع الشمولية، فطبيعة أدوات التمويل المستخدمة في النشاطات الاقتصادية المختلفة إلى جانب عنصر المرابحة، يستخدم المصرف أدوات تمويل أخرى مثل المضاربة، المشاركة، الوكالة، عقد السلم، عقد الاستصناع، الإجارة المنتهية بالتملك والعديد من الأدوات الأخرى التي تقوم عليها الصناعة المصرفية الإسلامية، جميع هذه الأدوات مثلت البديل للبنك المتخصص في النظام المصرفي التقليدي في تلبية الحاجات التمويلية للقطاعات المختلفة، ومع تنوع الأدوات التمويلية الإسلامية الا أن المرابحة احتلت مكانة أهم لدى البنوك الإسلامية من غيرها لاعتبارات تتعلق بتدني درجة المخاطرة فيها ثم إن الربح شبه مؤكد.
يوجد عامل آخر ومهم يتمثل في أن المرابحة تسهم في سرعة دوران النقود لقصر الأجل التمويلي لها، وهذا يساعد على تكرار استثمار رأس المال في مدة قصيرة وزيادة فرص الربح في كل مرة، ولهذا نجد أن البنوك الإسلامية اعتمت عليها في كثير من تعاملاتها المصرفية، وهي في الوقت نفسه تلبي احتياجات الشركات والمشاريع المحتاجة للتمويل من خلال توفير المواد الخام والمعدات والآلات سواء من مصادر محلية أو خارجية في حال استخدامها كبديل للاعتماد المستندي المتبع في التجارة الخارجية عند الاستيراد من الخارج، وهنا يكون دور المصرف في تلبية طلب العميل ورغبته في الحصول على السلعة؛ أي يقوم المصرف بشرائها ثم يبيعها له بالآجل بثمن يساوي سعر التكلفة النهائية للشراء، إضافة الى هامش من الربح متفق عليه بينهما والمرابحة عادة تقسم الى نوعين هما المرابحة العادية، والمرابحة للأمر بالشراء التي تجريها البنوك الإسلامية، فالنوع الأول من المرابحة كأن يشتري شخص بضاعة بثمن الشراء الأصلي مع هامش ربح معلوم يتم الاتفاق عليه، أما المرابحة للأمر بالشراء فيختلف نوعاً عن المرابحة من الضوابط التي تحدده ومنها، على سبيل المثال، تحديد نوع ومواصفات السلعة وحجمها إذا كانت بالعدد أو الوزن، كما يشترط فيها معرفة المشتري بثمن شرائها الأول من قبل البائع وتحديد هامش الربح بالاتفاق بين الطرفين حتى نتأكد بعدم وجود شبهة ربا في عملية البيع، وحسب هذه الآلية يتقدم العميل إلى المصرف بطلب شراء سلعة أو بضاعة معينة بالمواصفات التي يحددها على أساس الوعد بشراء تلك السلعة حال توفيرها من قبل المصرف ويكون دفع ثمن تلك البضاعة إما نقدا حسب الاتفاق أو على شكل أقساط يتم الاتفاق عليها وبموجب عقد بين الطرفين، وغالبا ما تكون هذه العملية لتمويل التجارة الخارجية كبديل للاعتماد المستندي المتعارف كما ذكرنا، وقد أجاز العلماء صيغة المرابحة للأمر بالشراء، ففي مؤتمر المصرف الإسلامي الثاني المنعقد بالكويت (جمادى الآخرة 1403 هـ، آذار 1983م).
صدرت فتوى بهذا الخصوص تنص على أن "المواعدة على بيع المرابحة للآمر بالشراء بعد تملك السلعة المشتراة وحيازتها ثم بيعها لمن أمر بشرائها بالربح المذكور في الموعد السابق، هو أمر جائز شرعياً طالما كانت تقع على المصرف مسؤولية الهلاك قبل التسليم وتبعه الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي"، أما لكون الوعد ملزماً لأحد الطرفين أو كليهما، فإن الأخذ به هو لمصلحة المصرف والعميل معا وحفظا لمبدأ التعامل واستقراراً للمعاملات التي يقوم عليها النشاط الاقتصادي للمجتمع، وإن الأخذ بالإلزام أمر مجاز شرعا.
بقي لنا أن نقول إن المصارف الإسلامية وباستخدامها صيغة المرابحة نجحت في تحقيق صيغ استثمارية، وتمكنت من تلبية العديد من احتياجيات أفراد المجتمع والوحدات الاقتصادية من التمويل اللازم لهم وبما ينسجم مع أحكام الشريعة الإسلامية، كما نأمل منها كذلك بإعطاء أهمية أكبر لبقية صيغ التمويل مثل المضاربة والمشاركة.

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي