تحول جذري أم تكتيك مرحلي؟

“حقبة ما بعد السابع من أكتوبر لن تكون كما قبله”، عبارة رددها بعض المحللين والمتابعين لذلك الحدث الكبير الذي هز العالم، دون أن تجد الصدى المناسب، وبعيدا عن قراءات معمقة أبرز عناصرها أن تتخلى الولايات المتحدة ـ ولو مرحليا ـ عن انحيازها الأعمى لإسرائيل. اليوم، وبعد ما يزيد على خمسة أشهر من أقذر حرب شنتها إسرائيل ضد الغزيين بشكل خاص، والفلسطينيين بشكل عام، ارتكبت خلالها أبشع المجازر على مستوى العالم، وتنكرت للقانون الدولي بصورة وصفها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأن “ غزة تحولت إلى مقبرة للقانون الدولي”.

اضافة اعلان

 

حدث ما اعتبره البعض معجزة، وما رآه البعض الآخر مجرد تكتيك مرحلي فرضته معطيات جديدة أبرزها تداعيات الانتخابات الرئاسية الأميركية التي تأثرت مخرجاتها الأولية بموقف الرئيس بايدن المنحاز بشدة لإسرائيل، ومنها تعنت رئيس وزراء حكومة التطرف الإسرائيلية، وتغليبه مصلحته الشخصية على متانة العلاقات مع الولايات المتحدة، وممارساته التي أدت إلى انقسام الشارع الإسرائيلي بصورة وصفها بايدن بأنها باتت تشكل خطرا على سلامة الدولة” الكيان”. 


فخلافا لكل التوقعات وبعد إفشالها بـ” الفيتو” أربع محاولات سابقة، مررت الولايات المتحدة قرارا في مجلس الأمن الدولي يطالب “بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان”، على أن “يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار”. كما يطالب بـ” الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن”.                             

                                                                           الولايات المتحدة مررت القرار بعدم استخدامها حق النقض” الفيتو”، والاكتفاء بالامتناع عن التصويت، وهي الخطوة التي فسرت لاحقا بأنها محاولة للتحلل من إلزامية القرار، وتوجيه رسالة إلى إسرائيل بأنها كانت مضطرة لاتخاذ هذا الموقف الذي أثار حفيظة حكومة التطرف ودفعت برئيسها إلى الرد سريعا بعدم إرسال وفد عسكري كان على وشك السفر إلى واشنطن للبحث مع المسؤولين الأميركيين في ملف الغزو البري لمحافظة رفح في قطاع غزة.


قرار منع الوفد من السفر إلى واشنطن ترافق مع حملة إعلامية نالت من الرئيس بايدن وفريقه الذين حاولوا على مدى ما يزيد على شهر مضى إقناع نتنياهو بتراكم أخطائه وصولا إلى تراجع كبير في مستوى التأييد لإسرائيل.     

 

                                                                               فقد فتحت عملية الشد بين بايدن ونتنياهو قبيل صدور القرار الدولي عن نوافذ عديدة للخلافات أبرزها الخلاف حول ما ترتكبه إسرائيل من مجازر بحق المدنيين في قطاع غزة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية واعتماد سياسة التجويع، ورفض نتنياهو لحل الدولتين، والتفاصيل الرئيسية لعملية رفح، وحقبة ما بعد غزة، حيث تنكر نتنياهو لكل ما فعله بايدن وفريقه لدعم  إسرائيل ماديا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا.       


تلك الصورة المتداولة على نطاق تحليلي واسع ليست الوحيدة التي تحكم ما حدث من تطورات. فهناك صورة أخرى تبدو أكثر عمقا، ترجح أن يكون القرار الأممي وموقف الولايات المتحدة المتمثل بـ” طبخ القرار” وتسهيل مروره ما هو إلا انحياز لإسرائيل التي أصبحت في وضع محرج.وتشير تلك الصورة إلى أن إسرائيل لم تفلح بعد ما يقترب من ستة أشهر من الحرب في تحقيق نصر واحد من تلك العناوين التي أعلنتها كأهداف للحرب. وأن كل ما تحقق ما هو إلا عمليات قتل وتهجير للسكان، وتدمير للبنية التحتية لقطاع غزة. وهي عمليات مدانة بحسب القانون الدولي.والأخطر من ذلك أن كافة التقارير الاستخبارية تؤكد أن استمرار إسرائيل في عملياتها في القطاع لن تكون مختلفة في مخرجاتها عن سابقاتها، وأن من الصعب جدا تدمير المقاومة الفلسطينية. ومن المعلومات المهمة جدا أن المقاومة ستتواصل حتى بعد احتلال الجيش الإسرائيلي لكامل القطاع، وأن عمليات المقاومة ستستمر طويلا وستؤدي إلى نتائج ليست في مصلحة “ الدولة”.                                                                                            ومن الصور المهمة التي أخذت بعين الاعتبار في تقارير وضعت على طاولة بايدن المنحاز بالكامل لإسرائيل أن ما يحدث داخل” الكيان” يبشر بانقسامات حادة تقابلها عمليات توحيد لجبهات المقاومة بما في ذلك الضفة الغربية التي شهدت تغيرا نوعيا في عمليات المقاومة.    


وسط تلك القراءات هناك من يرى أن القرار وغيره من إجراءات تصب في محاولات لمنح حكومة التطرف وقتا إضافيا، وأن المطلوب راهنا هو تخفيف الضغوط الداخلية والخارجية عليها ومنحها الوقت الكافي لقراءة المشهد كاملا ووضع التصورات المناسبة للتعاطي معه. الدليل على ذلك أن بايدن كان من أشد الرافضين لوقف اطلاق النار، ومن المؤيدين جدا لتدمير حركة حماس وإنهاء بنيتها التحتية.

 

وأنه لم يستخدم أي ضغوطات على نتنياهو من أجل فتح المعابر البرية لإدخال المساعدات.


ومن المؤشرات على ذلك تصريحات وزير الخارجية الاميركي بلينكن التي أكد فيها أن القرار غير ملزم، وأن تطبيقه مرهون بالمفاوضات.                                      
لكن، ومهما يكن الأمر فالعالم يرى أن القرار خطوة مهمة، بدليل التأييد الواسع لتفاصيله، بما في ذلك حركة حماس. بينما اقتصر الرفض على إسرائيل وحدها. وسط انتظار لما سيحدث من تطورات أبرزها مدى قبول أو رفض نتنياهو للقرار، ومدى التعاطي مع تفاصيله.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا