خليل الوزير.. و"خطة القنفذة" و"دافوس وطني"

أحمد جميل عزام- قبل أعوامٍ ليست قليلة أرسلت للزملاء في صحيفة الغد، مقالي عن خليل الوزير، أمير الشهداء الفلسطينيين في ذكرى استشهاده، فغيّروا عنوان المقال، ليصبح «استحضار خليل الوزير في الواقع الفلسطيني»، منذ ذلك الوقت دخل مفهوم «الاستحضار لأجل المستقبل» قاموس تفكيري في الشهداء المؤسسين. نحو العام 1958، كان خليل الوزير لم يصل سن الثالثة والعشرين وكان ابن عمه درويش يعمل في وزارة التعليم السعودية، وطلب إليه استقطاب معلمين من قطاع غزة، وصل درويش لأداء المهمة من القاهرة. سافر خليل، طالب الجامعة في الاسكندرية بحجة مساعدته، وعملّياً تسلّم المهمة، فعمل على «تجنيد» شباب التقى معهم على عهد النضال، انتهى توزيع الشباب في المدن السعودية، فتبقت منطقة اسمها «القنفذة» وكانت من أصعب المناطق، من نصيبه، وذهب وعمل هناك ستة أشهر. كانت فكرته أن الخلاص الفردي للشباب من واقع الحياة الصعبة التي عاشوها كلاجئين في المخيمات تؤدي إلى اشتداد عودهم لتحقيق الخلاص الجمعي. يؤدون عملهم التعليمي بإخلاص ويتخلصون من مصاعبهم الشخصيّة. تكررت القصة في الجزائر، ففي عام 1963 لاحت فرصة موافقة جزائريّة أوليّة لفتح مكتب إعلامي لفلسطين، قرر مؤسسو الحركة الوطنية الفلسطينية حينها، تفرغ خليل الوزير للمهمة، وعليه مغادرة الكويت. في اليوم التالي أبلغ زوجته انتصار بالقرار، وكانت حاملًا بطفلهما الأول. عادت إلى غزة وذهب للجزائر. كان خليل يذهب يوميًا إلى «فيلا جولي» مقر رئاسة الجمهورية الجزائرية لمقابلة الرئيس أحمد بن بلا، وينتظر حتى نهاية الدوام دون أن يحظى بالمقابلة، ليعود في اليوم التالي وأمضى ما يقارب الستة أشهر، يصارع فيها اليأس بحثاً عن أمل الانطلاقة من الجزائر، أخيراً وبعد تدخل أصدقاء لفلسطين افتتح المكتب. انطلق الوزير في اتجاهات عدة، فسمحت لقاءات حركات التحرر الإفريقية في الجزائر بدء العلاقة مع الصين، وأشرف على نشرات إعلامية فلسطينية بالعربية ويترجمها سعيد البرغوثي إلى الفرنسية، واستطاع الوصول لمهمة استقطاب معلمي فلسطينيين للعمل في الجزائر، وفعلاً بدأ باستقطاب من يتوسم أنّ خلاصهم الفردي يفتح الطريق لتكريس حياتهم لخلاص جمعي. وعندما وصلت أم جهاد للجزائر، تحمل رضيعها برحلة مجهدة (تفاصيل مرحلة الجزائر وغيرها فصّلتها انتصار الوزير في كتابها «رفقة عمر»)، لتجد أبو جهاد يعمل متطوعاً تقريباً ولا دخل للأسرة، والحل عملها هي مُدّرسة، لكنه خشي اتهامه بمحاباة زوجته، مع أنها عملياً لا تنافس أحداً، فأبقى طلبها طي درج المكتب حتى انتهاء قوائم طالبي العمل، وبدأت تعمل بينما جهاد الصغير في المكتب مع أبيه، وتعود من العمل لإعداد الطعام لكل من في المكتب. كانت هذه الفكرة أو الخطة، التي أسميها مجازاً «القنفذة» تعني أن يَبني الإنسان نفسه ويعتمد عليها ليكون جاهزاً لبناء الكينونة الوطنية العامة، وأن ينتقل من الخلاص الفردي إلى الجمعي. هذه الفكرة تحتاج للاستحضار بطريقة تلائم تطورات الحياة والعالم وأنماط العمل والعلم. بدل غرق الحياة الفلسطينية، داخل فلسطين، بقضايا مطالب نقابية ووظائف ورواتب، وحصار مالي أوروبي، أميركي، عربي، إسرائيلي. وبعد انقضاء العصر الذي كان فيه مجرد شهادة جامعية في الطب، أو الهندسة، أو اللغة العربية، أو الجغرافيا، أو غيرها مؤهلاً لفتح بوابات العمل والحياة. فإنّ وقفة متأنية لتوفير فرص العمل بناء على معطيات العصر الحديث، من حيث استخدام معطيات الثورة الصناعية الرابعة، التي تعتمد على صناعة المعلومات، وإمكانية النجاح الفردي والجماعي في هذا المجال، وتحقيق «الميزة النسبية» بإدراك لغة العصر، يضاف لها الخروج من الحاجة لبناء مؤسسات أهلية (NGOs) ممولة حكومياً أو دولياً، إلى عقلية المؤسسات الشبكية التي لا تحتاج مكاتب ومقرّات وسكرتاريا بذات القدر، مع إعادة الاعتبار للعمل التطوعي، الذي يستمر فيه الموظف والعامل بالاعتماد على ذاته بعد أن تنتهي حياة الجامعة والشباب وليس العكس حيث عندما ينتقل الطالب للعمل والزواج ينتهي نشاطه العام. يمكن لرجال الأعمال والناجحين في الصناعات والأعمال والتخصصات الجديدة أن يأخذوا بأيدي الشباب للتخلص من «أسر» الوظيفة والعمل التقليديين أو البطالة، لانطلاقة فردية وجمعيّة. يمكنهم وضع خطط وعقد مؤتمر «دافوس وطني» بدل منتديات عالمية تريد تسهيل تشغيل الفلسطينيين في صناعة التكنولوجيا الإسرائيلية. المقال السابق للكاتب تايوان.. فشل أميركي جديد؟اضافة اعلان