"كلاشيهات" لن تقود إلى الحياة

فريهان الحسن

كانت تبحث في هاتفها عن آخر الأخبار، حين ظهر لها خبر بعنوان "العالم يحتفل اليوم بعيد المرأة". ابتسمت بفتور، وهي تخرج تنهيدة أشبه بالزفرة الحارة، ربما تمثل تلك الزفرة تلخيصا لما عاشته كامرأة عبر سنوات عمرها الماضية.اضافة اعلان
شردت بنظراتها، وسرح فكرها بعيدا، عائدا إلى الوراء، فيما شعور الألم القهر يحضر بقوة وهي تستعرض سريعا شريط حياة لم تعطها الأمن ولا الهدوء. تلك هي حياتها التي سلب منها حق القرار وحرية الاختيار، كأنما حياتها الخاصة منذورة للآخرين، فتتوالى الأعوام من دون أن تجرؤ على تخييب ظن من حددوا طريقها ورسموا ملامحه أمام عينيها المحايدتين.
في طفولتها، شبابها، عملها، وحياتها الزوجية، وفي اختياراتها التي توهمت أنها من خيارات خاصة لها! بُني كل شيء على توقعات رسمها مجتمع اعتاد أن يتحكم بمستقبلها بعد أن أفسد ماضيها. يتوجب أن تعيش له، وأن تنكر ذاتها. مطلوب منها إعلان خضوعها وخنوعها التامين، والاستسلام لمجتمع رسم لها قائمة كاملة من الممنوعات والمسموحات، ينبغي ألا تغادر منها شيئا!
لم يكن لها حق في أن تختبر مسارات رحلة البحث عن الذات. وكيف تبحث عن مسار ذات لا تملك من أمرها شيئا، ولم يكن لها أي سلطة عليها. تتذكر كيف أنها، أكثر من مرة، حاولت أن تكسر قيوداً سلبية تحاصرها. تتذكر الآن أنها لم تكن ضعيفة تماما، فقد امتلكت أحيانا أدوات مقاومة أزعجت الآخرين، لكن الحقيقة أن تلك الأدوات لم تكن كافية للخروج من منظور مجتمع حددها بالوجوبيات والمحرمات، لذلك اصطدمت مقاومتها مع أمواج من الرفض، فتقرر أن تهدأ قليلا، ولكنها تؤكد باستمرار: "هذه ليست حياتي التي تصورتها دائما. هذه ليست أنا، وهذه ليس خياراتي ولا قراراتي"!
تمر السنوات، وتتضاءل فرص النجاة بالنفس، لتكتشف تلك السيدة وغيرها كثيرات، أنهن لم يعشن حياتهن الخاصة، بل شبّه لهن ذلك، حين استطاع المجتمع أن يمنحهن حياة جاهزة معلبة، تماما كما هي الورود البلاستيكية التي تمتلك كل شيء يشبه الورود الحقيقية، ما عدا الروح.. والحياة.
لن تنتهي القصة هنا، لكن انتهت صفحة أخرى مؤلمة وهي تغلق هاتفها وتطلق ضحكة عالية، ربما من السهل تفسيرها!
في يوم المرأة، لن تصبح المرأة أفضل من مثال تلك السيدة، ولا أفضل من الوردة البلاستيكية التي يحاولون إيهامنا بأنها حية. قوائم الضغوطات تطول وتطول، فيما هي محاصرة ومكبلة بقيود التقاليد والتشريعات والممنوعات، والتي لا تنتج في نهاية الأمر سوى "إنسانية منقوصة".
وفروا شعاراتكم، ووفروا "الكلاشيهات" التي تحتفظون بها في الأدراج، وتخرجونها كلما دعت الحاجة، فهي لا تعدو أن تكون ممارسة تحاولون من خلالها أن تسمعوا أصواتكم فقط، وأن تدندنوا مواويلكم المملة التي عافتها أنفسنا!
لربما يأتي 8 آذار آخر، في زمن قادم، تستطيع المرأة فيه أن تعيش حياتها الخاصة؛ بخياراتها وأفكارها وقوتها الكاملة.. دعونا ننتظر!