"وحدة الساحات" أم "تفتت الجبهة"

د. أحمد جميل عزم- في عمليات القصف والاغتيال التي قامت بها إسرائيل، على قطاع غزة يوم الثلاثاء 9 أيار (مايو)، فإنّها تراهن أولاً، على انقسام العمل الفلسطيني بين ثلاث سياسات؛ حركة الجهاد الإسلامي، التي تتحمس لفكرة وحدة الساحات، وحركة «حماس» التي وسياستها هي التهدئة من قطاع غزة، وعدم المواجهة العسكرية إلا في الضفة الغربية، وثالثاً السياسة الرسمية الفلسطينية، التي يغلب عليها مراقبة ما يحدث والتأقلم مع الأزمات واحتوائها حتى تمر. ثانياً، لا تمانع إسرائيل حالياً من الدخول في جولة حرب أو مواجهة جديدة مع المقاومة، بهدف تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية جديدة، أهم معالمها دخول حركة الجهاد بشكل واضح في تفاهمات «حماس» مع إسرائيل، بما يهدّئ الجبهات من غزة حتى جنين. منذ معركة سيف القدس (2021)؛ عندما دخلت حركتا «حماس» والجهاد الإسلامي مواجهة صاروخية واسعة انتصاراً للنضال الفلسطيني في حي الشيخ جراح في القدس، وحركة الجهاد والإعلام القريب من دوائرها الإقليمية يرددون مقولة «وحدة الساحات»، تجسيداً لاستراتيجية «الجهاد» التي تريد كفصل صغير الحجم نسبياً، أن تقوم بدور من يأتي بباقي القوى للمواجهة، والتحكم في قرارات الحرب والسلم، أو المواجهة والهدوء، باعتقاد أنّها إذا حرّكت عمليات ومجموعات في الضفة الغربية، أو أطلقت صواريخ في غزة، ستلحقها باقي القوى، وخصوصاً حركة «حماس» في غزة، ومجموعات وجماهير حركة «فتح» في الضفة، وأنّ أي حراك في الضفة يتبعه حراك من غزة، وربما جنوب لبنان، وبهذا تفتح الحركة باب المواجهة الشاملة، وتأتي بالفصائل المختلفة خلفها. أثبتت المواجهة التي أطلقت في آب (أغسطس ) 2022، أنّ حماس ترفض هذه الاستراتيجية، ولا تريد تكرار موقعة «سيف القدس»، ولن تجاري حركة «الجهاد»، ومستعدة لقبول بعض الإحراج مقابل بقاء ساحة غزة هادئة عسكريّاً، مع تشجيعها العمليات في الضفة الغربية، وذلك انطلاقاً من حسابات منها، عدم الاقتناع أنّ مواجهة من غزة تحقق مكاسب سياسية أو عسكرية في الصراع حالياً، وبسبب الأثمان المدنية، والاقتصادية والسياسية الباهظة، لا سيما وأنّ حماس هي سلطة أمر واقع في غزة، عليها التعامل مع جزء من تداعيات أي مواجهة على الناس. بموازاة هاتين السياستين فإن القيادة الرسمية الفلسطينية، تركز نشاطها بعيداً عن ميدان المواجهة العسكرية والعنيفة، وبينما يكاد ينعدم تأثيرها في مسار المواجهة في قطاع غزة، فإنّها تدير توازنا دقيقا في الضفة، بحيث لا تدخل في مواجهة مع المجموعات المسلحة الجديدة، بل وقد تتفاعل معها وتحتفي بها أحياناً، ولكن مع عدم السماح بانفلات الأوضاع، وعدم السماح لحركتي «الجهاد» و»حماس» بقيادة وتأطير وتوجيه المشهد. من هنا ما تفعله إسرائيل الآن، هو أولاً، اختبار لفكرة هدوء الساحة في غزة والتأكيد أن وحدة الجبهات مجرد خطاب إعلامي، وأن تختبر مدى وجود بنية ونية للعمل من جنوب لبنان، وأن تقطع الطريق على تقديم دعم وتطوير مجموعات الشباب المسلحة الناشطة في الضفة الغربية، بضرب أي كوادر يقدمون الدعم لهم من الشتات أو غزة. ثانياً، وهو الأهم تريد إسرائيل ضم الجهاد الإسلامي للتفاهم الذي تطور مع «حماس»، فسواء استطاعت «حماس» عبر غرفة العمليات المشتركة المشكلة في غزة إقناع الجهاد أن الرد لا يكون من غزة، وأن مواجهة مفتوحة أمر يجب استبعاده، فتكون الجهاد قبلت بالسياسة التي تتبناها «حماس»، أو إذا تطورت مواجهة فعلاً بالصواريخ وغيرها، فإسرائيل تراهن أنه بعد ذلك سيتم العودة إلى هدنة تلتزم بها «الجهاد». وكلما كانت المواجهة أكبر، إن حدثت، ستحرص إسرائيل على اخذ ثمن أكبر من الجهاد. ومما تراهن عليه إسرائيل أن إيران بعد التهدئات الإقليمية مع السعودية، وبعد انفتاح الدول العربية على النظام السوري الحليف ليست معنية بتصعيد كبير. هذا الواقع يكشف أزمة الفصائل الفلسطينية التقليدية، من حيث الافتقاد لرؤية موحدة، أو استراتيجيات وطنية جامعة فاعلة، وصريحة، وهذا يترك الساحة للفراغ مرة أخرى، وبما أن الحصار ضاغط في غزة، والاحتلال والاستيطان متوسعين في الضفة والقدس وباقي فلسطين، فإنّ ظاهرة مجموعات الشباب التي تعتمد على ذاتها تصبح مرشحة للتجدد والاستمرار، خصوصاً مع غياب عملية سياسية أو تغيير حقيقي في الأوضاع. المقال السابق للكاتب ثورية “تشات جي بي تي”.. تجربة شخصيةاضافة اعلان