يوم الأرض.. والمعركة مستمرة

مع مرور 43 عاما على يوم الأرض الخالد، فإن المؤسسة الصهيونية الحاكمة تُصعّد هجمتها على الأرض الفلسطينية، في كامل فلسطين التاريخية. ففلسطينيو 48 يواجهون حالة اختناق سكاني بفعل حصار بلداتهم. وقطاع غزة محاصر، والاستيطان يواصل ابتلاع مساحات شاسعة من الضفة والقدس المحتلة. فهذا اليوم الذي انطلق قبل أربعة عقود ونيّف في مناطق 48، كان الانفجار الشامل الأول في مسيرة فلسطينيي 48 الكفاحية، ردا على مخططات تقطع باللحم الحي لما تبقى من أراض زراعية للفلسطينيين، الذين يجدون أنفسهم اليوم أمام حالة أشد خطورة مما كان.اضافة اعلان
فقد كان يوم الارض في الثلاثين من آذار (مارس) العام 1976، يوم الاضراب العام والشامل الأول في تاريخ فلسطينيي 48، وهو لم يكن حدث صدفة، بل ثمرة نضال وتعبئة وطنية لم تهدأ منذ العام 1948، إذ تركت النكبة نحو 153 ألف فلسطيني، في أجواء الرهبة وشبه الضياع، وكانت المعادلات القائمة على الارض بتفاصيلها الدقيقة، أصعب مما نتخيله في مفاهيم اليوم، فكانت المعركة الأولى هي البقاء في الوطن، وحماية ما بقي وما يمكن حمايته وانقاذه من أرض.
واليوم، بالإمكان القول إن كل مدن وبلدات فلسطينيي 48 تعاني حالة اختناق سكاني، بسبب رفض الحُكم الصهيوني توسيع مناطق نفوذها، باستعادة جزء من أراضيها التي صودرت على مر العقود السبعة الماضية. فعلى سبيل المثال، مدينة الناصرة التي يسكنها 80 ألف نسمة، وخلال النهار يكون فيها ما لا يقل عن 100 ألف نسمة، تمتد على مساحة 14.7 ألف دونم، وترفض السلطات توسيع منطقة نفوذها؛ وفي المقابل فإن مستوطنة "نتسيرت عيليت" القائمة على الأراضي المصادرة من الناصرة وقراها، فيها 41 ألف نسمة، وتمتد مساحة 34 ألف دونم. بمعنى أن الكثافة السكانية في الناصرة حوالي 5,5 أشخاص على الدونم الواحد، مقابل 1.2 شخص على الدونم الواحد في نتسيرت عيليت، التي بات قرابة 30 % من سكانها عرب.
ولكن المشكلة تتفاقم في بلدات أخرى، التي لم تعد فيها مساحة للبناء، فتضطر آلاف العائلات للبناء على أراضيها المحاذية لخط البناء في قراها، ولكنها ليست ضمن منطقة النفوذ المسموح بها سلطويا، ما يعني اضطرارها للبناء من دون تراخيص. واليوم يجري الحديث عن 50 ألف بيت مبني من دون تراخيص، وكلها مهددة بالهدم.
والقسم الأعظم من هذه البيوت الـ 50 ألفا، قائمة في بلدات صحراء النقب، إذ تخطط السلطات لاقتلاع حوالي 30 بلدة، يقيم فيها أكثر من 40 ألف نسمة، للزج بهم في بلدات قائمة. والهدف هو تجميع أكثر ما يمكن من العرب، في أقل ما يمكن من بلدات محاصرة، وهذه هي العقلية الصهيونية الاقتلاعية، التي واجهها الشعب الفلسطيني في النكبة، وما زال حتى يومنا.
ولم يكتف الحُكم الصهيوني بهذا الحال، بل بادر بنيامين نتنياهو في العامين الأخيرين، لسن قانون عنصري تدميري، يفسح المجال لتسريع جرائم تدمير البيوت العربية، وفرض غرامة يومية على كل من يسكن بيتا ليس مرخصا. وبموجب هذا القانون، فإن من يسكن بيته، يكون مطالبا بدفع غرامة قد تصل إلى آلاف الدولارات سنويا. وأكثر من هذا، هو أن السلطات تفرض على أصحاب البيوت المدمّرة تسديد "نفقات" عمليات الهدم.
وهذا نموذج لحالة التمييز العنصري والاستبداد والقمع، الذي يواجهه فلسطينيو 48، فهم ليسوا خارج دائرة استهداف الشعب الفلسطيني كله، وقضيتهم ليست مطروحة بالمستوى المطلوب على الهيئات الدولية، فهناك من المؤسسات الحقوقية الدولية.
ما يقلق الحُكم الصهيوني هو أن كل ممارساته العنصرية الاستبدادية الاقتلاعية ضد فلسطينيي 48، على مر العقود السبعة الماضية، لم تحقق له مراده، فالأجيال الناشئة تحمل الراية، وتواصل مسيرة الكفاح والتشبث بالأرض والهوية، وهذا ما يتأكد في كل المناسبات الوطنية، وبضمنها يوم الأرض الخالد.