منير بن وبر* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 25/5/2023

الهجرة من القرن الإفريقي إلى اليمن ليست مجرد ظاهرة عابرة

مهاجرون يقيمون في مأوى مؤقت في مبنى مهجور في عدن، اليمن - (أرشيفية)
مهاجرون يقيمون في مأوى مؤقت في مبنى مهجور في عدن، اليمن - (أرشيفية)

على الرغم من أن اليمن يعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية وبيئية خاصة به، إلا أن المزيد والمزيد من المهاجرين يعبرون حدود البلاد أملاً في حياة أفضل.

اضافة اعلان

 

وتلعب المنظمات الدولية دوراً حاسماً في تسهيل تطوير بنية تحتية مستدامة للهجرة في اليمن. وستتطلب هذه المنظمات، بدورها، دعم وتعاون الشركاء الحكوميين، الذين يمكنهم توفير الأموال والأدوات الدبلوماسية لإنشاء نظام أكثر أماناً وإنسانية.

*   *   *
لطالما كانت الهجرة عبر اليمن، أو إليه، من القرن الأفريقي ظاهرة تاريخية قديمة. ومع ذلك، ربما تختلف دوافعها وأحجامها من وقت لآخر. فقد شكلت دول الخليج العربي، خلال العقود الأخيرة، منطقة جذب، ويؤدي اليمن، بحكم موقعه في الركن الجنوبي الغربي من جزيرة العرب وقربه من القرن الأفريقي، دوراً كنقطة عبور رئيسية لأولئك الذين يسعون إلى العيش في ظل الاستقرار الاقتصادي السائد في دول الخليج العربي. ومنهم أولئك الذين يتوقون إلى لم الشمل مع أقاربهم الذين سبقت لهم الهجرة إلى هناك.


في الأعوام الأخيرة، أسهمت حالة عدم الاستقرار الداخلي في ارتفاع عدد المهاجرين من القرن الإفريقي إلى شبه الجزيرة العربية عبر اليمن، بنسبة 64 في المائة بين العامين 2021 و2022. وخلال الربع الأول من العام الحالي، ارتفعت نسبة الوافدين من القرن الافريقي إلى اليمن بنسبة 87 في المائة خلال شهر آذار (مارس) مقارنة بشهر شباط (فبراير).

 

وتعطينا هذه الإحصاءات فكرة عن ارتفاع جاذبية الهجرة من القرن الأفريقي إلى شبه الجزيرة العربية بين الحين والآخر، خاصة مع تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والبيئية في بلاد المهاجرين.


في إثيوبيا، على سبيل المثال، أثر مزيج من العنف الطائفي وموجات الجفاف الشديد بشكل كبير على سبل عيش الكثيرين، وخاصة أولئك الذين يقيمون في منطقة تيغراي.

 

وفي الصومال، تسببت الحرب الأهلية المستمرة في فرار مئات الآلاف من الأفراد نتيجة لما تخلفه الحرب من حالة عدم الاستقرار، فضلاً عن القضايا البيئية المماثلة، بما في ذلك سلسلة الجفاف والفيضانات المدمرة. ويتجه الفارّون أحياناً إلى البلدان المجاورة، مثل كينيا وإثيوبيا -ولكن أيضاً إلى شبه جزيرة العربية.


بطبيعة الحال، شهد اليمن صراعات واضطرابات عدة لأكثر من عقد من الزمان. وعلى الرغم من انخفاض العنف السياسي إلى أدنى مستوياته منذ العام 2015 نتيجة الهدنة غير المعلنة منذ الربع الأخير من العام 2022، وزخم محادثات السلام، ما يزال العنف يهدد بالظهور مرة أخرى، وما تزال العديد من المخاوف باقية بلا حل.

 

ويعاني اليمن، مثله مثل منطقة القرن الأفريقي، من ظروف بيئية قاسية؛ إذ يشهد القرن الأفريقي أسوأ موجة جفاف منذ أربعين عاماً، مما يؤثر على الأمن الغذائي وفرص كسب العيش بشدة.

 

وفي اليمن، صنف العام 2022 باعتباره أحد الأعوام الثلاثة الأكثر جفافاً في تاريخ البلاد، حيث تسببت الظواهر المناخية المتطرفة في البلاد أيضاً، مثل الأمطار الغزيرة والفيضانات، في تدمير البنية التحتية وسبل العيش.

 

ومنذ النصف الأخير من شهر آذار (مارس)، أثرت الفيضانات على أكثر من 9.000 أسرة في اليمن -متسببةً في تلوث مياه الشرب، وتدمير شبكات الصرف الصحي، وخلق بيئة مواتية لانتقال الأمراض.


على الرغم من الظروف غير المواتية التي يشهدها اليمن، إلا أن البلد ما يزال جاذبا للمهاجرين الذين -على ما يبدو- ينظرون إلى اليمن كبديل جيد عن أوطانهم.

 

ونظرا للرقابة الصارمة التي تفرضها دول الخليج على المهاجرين والتخلي عنهم بشكل متزايد، لم يعد اليمن مجرد محطة عبور فحسب، بل أصبح وجهة نهائية للمهاجرين.


في هذا السياق، تعمل السلطات السعودية، على سبيل المثال، على تشديد سياساتها الحدودية وتتعاون بشكل متكرر مع البلدان الأصلية للمهاجرين لإعادتهم فور وصولهم إلى حدود المملكة.

 

ومنذ العام 2017، تعمل المملكة على سن أنظمة عمل جديدة تحد من استخدام العمالة الأجنبية على أراضيها. على سبيل المثال، بين العامين 2018 و2020، أعادت المملكة 300 ألف عامل إثيوبي.


من الجدير بالذكر أن سياسات المملكة العربية السعودية في مسألة الهجرة تمثل جزءا من حركة عالمية أكبر تشمل الغرب أيضاً، حيث تكثف السلطات من مراقبة الحدود لإبعاد المهاجرين، بحجة أن المهاجرين يجب أن يظلوا أقرب إلى بلدانهم الأصلية حتى تتسنى لهم العودة إلى بلادهم عاجلاً، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى استعادة العلاقة الطبيعية بين الفرد والدولة.

 

ونتيجة لهذه الرواية، فإن بلداناً مثل اليمن غالباً ما تكون ذات دخل منخفض أو متوسط وتعاني من الأزمات نفسها، كما أنها مثقلة بالمهاجرين الذين لا تستطيع دعمهم.

 

ووفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن هذه البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تؤوي الآن 74 في المائة من لاجئي العالم وغيرهم من الأفراد الذين هم في حاجة إلى الحماية الدولية.


في جنوب شرق اليمن، أصبحت تداعيات هذه الظاهرة واضحة للعيان بالفعل. فوفقاً لتقرير صادر عن منظمة الهجرة الدولية، باتت محافظات حضرموت والمهرة في جنوب شرق اليمن وجهات مفضلة للمهاجرين الراغبين في التوجه إلى سلطنة عمان.

 

ووفقاً للتقرير، تكمن جاذبية هذه المحافظات في عدد نقاط التفتيش الأقل المنتشرة فيها، والتواجد الأقل لحرس السواحل، علاوة على الاستقرار النسبي والقبول الجيد للمهاجرين في تلك المجتمعات.

 

ومع ذلك، ونظراً للقيود الصارمة التي تفرضها سلطنة عُمان على الحدود، ومع تدهور الخدمات العامة مثل القطاع الصحي في جميع أنحاء البلاد، صار المهاجرون الذين أجبروا على البقاء في جنوب شرق اليمن معرضين للخطر بشكل خاص. ويتكرر هذا النمط أيضاً في أجزاء أخرى من البلاد.


ومن جانب آخر، يمكن لبعض المهاجرين العثور على فرصة عمل، والمساهمة في الصناعات الزراعية والحيوانية الأساسية في اليمن والعمل في عدد من الوظائف الأخرى غير الرسمية. قبل أعوام، التقيت بمجموعة من المهاجرين في شبوة الذين استطاعوا هم وغيرهم الحصول على فرصة عمل في مزارع القات في شمال اليمن.


كان هؤلاء المهاجرون يعتزمون المجيء إلى اليمن، بدلاً من المرور إلى بلد ثالث، وكانوا في الأساس مدفوعين بتجارب الأصدقاء والأقارب الذين سبقت لهم الهجرة إلى اليمن، وقد أشاروا إلى أن العديد من المهاجرين الأفارقة كانوا يعملون في الحقول والمراعي في جميع أنحاء البلاد، وذلك رغم عدم وجود أرقام توضح بالتفصيل عدد المهاجرين أو اللاجئين الأفارقة العاملين بالفعل في قطاع الزراعة في اليمن.


ومع ذلك غالباً ما تكون الرحلة إلى شبة الجزيرة العربية محفوفة بالمخاطر، حيث تشير التقارير إلى أن المهربين تسببوا في تعريض الأفارقة المهاجرين في اليمن للاعتداء والتعذيب والابتزاز وغيرها من الجرائم، بما في ذلك الاتجار بالبشر. وهكذا، في بلد مثل اليمن مزقته الحرب، لا يوجد سوى القليل جداً من البنية التحتية التي قد تسهم في التعامل مع هؤلاء المهربين أو حتى دعم المهاجرين عند وصولهم.


صرحت أنجيلا ويليس، مديرة الإعلام والاتصالات بمنظمة الهجرة الدولية في اليمن، خلال المقابلة التي أجريتها معها، أن المنظمة تعمل مع السلطات المحلية وتدعوها إلى الالتزام تجاه المهاجرين بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، الذي يضمن معاملة المهاجرين غير التمييزية، والإنسانية، بغض النظر عن العرق أو الجنسية أو الأصل.


وعلى خطى العديد من الخبراء الذين دافعوا عن دمج المهاجرين واللاجئين في أسواق العمل في الدول التي يستقرون فيها، صرحت ويليس بأنه يجب السماح لهم بحرية الوصول إلى عمل بأجر عن طريق تقليل أي حواجز تحول دون تشغيلهم بناء على وضعهم واحتياجاتهم.

 

ولن يؤدي هذا الاقتراح فقط إلى تجنب البدائل الضارة، مثل ترحيل المهاجرين إلى أوطانهم -حيث من المرجح أن يواجه المهاجرون المزيد من المخاطر، بما في ذلك الحبس في المخيمات حيث تُنتهك حقوقهم باستمرار- ولكنه أيضا سيسهم في تخفيف الضغوط على المجتمعات المضيفة من خلال المساهمة في تنمية الاقتصادات المحلية.


بطبيعة الحال، لا تستطيع السلطات اليمنية القيام بذلك بمفردها، خاصة وأنها تواجه أزماتها الداخلية الخاصة بها. وبذلك، تلعب المنظمات الدولية دوراً حاسماً في تسهيل تطوير بنية تحتية مستدامة للهجرة في اليمن.

 

وستتطلب هذه المنظمات، بدورها، دعم وتعاون الشركاء الحكوميين، الذين يمكنهم توفير الأموال والأدوات الدبلوماسية لإنشاء نظام أكثر أماناً وإنسانية.


وفي الوقت نفسه، من الضروري إجراء معالجة جادة على المستوى الدولي للنزاعات والأزمات التي يعاني منها هؤلاء المهاجرون في بلدانهم الأصلية.

 

إذا كانت دول مثل المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودول أخرى تأمل في وقف تدفق المهاجرين عبر حدودها، فيجب عليها بذل كل ما في وسعها لتخفيف العنف في دول القرن الأفريقي، والمساهمة في تقليل آثار تغير المناخ.

*منير بن وبر: صحفي ومخرج أفلام وثائقية. حاصل على شهادة البكالوريوس في الإعلام (قسم العلاقات العامة). عمل على عدد من الأفلام الوثائقية.

 

اقرأ المزيد في ترجمات