صعود اليمين المتطرف يعيد رسم المشهد السياسي في أوروبا

السياسيان اليمينيان الأوروبيان، الهولندي غيرت فيلدرز، إلى اليمين، والفرنسية مارين لوبن، إلى اليسار - (المصدر)
السياسيان اليمينيان الأوروبيان، الهولندي غيرت فيلدرز، إلى اليمين، والفرنسية مارين لوبن، إلى اليسار - (المصدر)

 

نينا دوس سانتوس* - (إندبندنت عربية) 2024/3/24

حضور يمين الوسط، في ظل صعود شعبويين من أمثال مارين لوبن وغيرت فيلدرز، ينحسر لصالح تقدم الأحزاب المتطرفة. يكون حضوره أكثر وضوحاً، خاصة داخل برلمان الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت الحالي، تشير التوقعات إلى أن الأحزاب المتطرفة في أوروبا قد تحصل على أكثر من 25 في المائة من الأصوات عندما يدلي 400 مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي بأصواتهم في شهر حزيران (يونيو). هل الاتحاد الأوروبي مستعد لهذا التغيير المحتمل في ميزان القوى، وإلى أي مدى؟
*   *   *
للوهلة الأولى بدا زعماء الأحزاب المحافظة في أوروبا، حينما اجتمعوا في مؤتمرهم ببوخارست هذا الشهر، منتصرين. فمنذ آخر اجتماع لهم قبل سنتين، حقق يمين الوسط مكاسب مهمة، حين وجد نفسه في الحكم في أجزاء كبيرة من الاتحاد الأوروبي، كما اكتسب مزيداً من النفوذ داخل المؤسسات الرئيسة للكتلة.
ويتجه المحافظون في الاتحاد الأوروبي -المتحدون تحت راية حزب الشعب الأوروبي، الذي ترأسه حالياً روبرتا ميتسولا التي تمثل يمين الوسط في مالطا- للفوز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات المقبلة للبرلمان الأوروبي.

اضافة اعلان


وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تحصل مرشحتهم لرئاسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على ولاية ثانية، بما يتماشى مع خطاب يمين الوسط الذي يركز على الأمن والاقتصاد، والذي يتردد صداه بقوة بين الناخبين.


مع ذلك، ثمة معضلة رئيسية تكمن وراء هذا الأداء المثير للإعجاب: كيفية مواجهة منافس ينتمي إلى الجانب نفسه من الطيف السياسي وسط الدعم المتزايد الذي يحظى به اليمين المتطرف في أوروبا.


ساعد صعود حزب شعبوي هذا الشهر في منع يمين الوسط في البرتغال من الحصول على أغلبية، على الرغم من أنه أطاح الاشتراكيين القابضين على السلطة. وقد تعني النتيجة حكومة ضعيفة ربما تضطر إلى تقديم تنازلات محددة لتمرير قوانين جديدة.


وفي السويد، حيث كان اليمين المتطرف جزءاً من الائتلاف الحاكم منذ العام 2022، يبدو أن هذا النمط يتقدم بصورة ملحوظة، كما يتضح من الحملة الأخيرة لفرض القانون والنظام والموقف الأكثر صرامة على صعيد الهجرة.


في سلوفاكيا وهنغاريا، يتولى الزعماء الشعبويون زمام الأمور، وقد استخدموا نفوذهم باستمرار على مر السنين لتحدي وحدة الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بالمسائل الأكثر إلحاحاً اليوم.


ووفقاً لجيري زاغوريتيس، مؤسس "مختبر الحملات الانتخابية" "Campaign Lab"، وهو شركة استراتيجية سياسية مقرها بروكسل تقدم المشورة لأحزاب يمين الوسط في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، فإن "مركز الثقل السياسي في أوروبا من المؤكد أنه يميل نحو اليمين".


ويضيف زاغوريتيس: "يتجلى هذا التحول في الحملات الانتخابية، حين يركز المعتدلون بصورة متزايدة على قضايا الهجرة، والدفاع، ومواضيع مثل السلامة والأمن الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي".


باختصار، يبدو أن نفوذ اليمين المتطرف آخذ في النمو، ومن المتوقع أن يكون حضوره أكثر وضوحاً، خاصة داخل برلمان الاتحاد الأوروبي. في الوقت الحالي، تشير التوقعات إلى أن الأحزاب المتطرفة في أوروبا قد تحصل على أكثر من 25 في المائة من الأصوات عندما يدلي 400 مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي بأصواتهم في شهر حزيران (يونيو) المقبل.


ويمكن لأعضاء كهؤلاء في البرلمان الأوروبي أن يعرقلوا محاولات معالجة تغير المناخ ويحبطوا طموحات الاتحاد الأوروبي في التوسع شرقاً ليشمل يوماً ما أوكرانيا ومولدوفا وبلدان في غرب البلقان.


ولكن، ما من مؤشر، وفق زاغوريتيس، إلى أن الفصائل اليمينية المتطرفة متحدة بما يكفي لتحدي الوضع الحالي باستمرار ويؤكد أن "هذه الأحزاب غالباً ما تختلف حول القضايا الحاسمة، مثل العلاقات مع روسيا، حيث يدعم البعض أوكرانيا بينما يدعم البعض الآخر الكرملين".


ليس صعود اليمين المتطرف في أوروبا بالأمر المستغرب. هو في الواقع يجري منذ بعض الوقت. حتى أن أحد المسؤولين من يمين الوسط في بوخارست كان قد ألقى باللوم على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في التسبب بالمشكلة، عندما أسس حركته "إلى الأمام" في العام 2016. وقال المسؤول: "لقد نسف الأرضية الوسطى للجميع، وتركنا نتعامل مع الفوضى".


ويجادل آخرون بأن الشعبوية ستكون جذابة دائماً، فهي تعِد بحلول بسيطة للمشكلات التي أثبتت الأحزاب التقليدية أنها غير قادرة على معالجتها. وما هو واضح هو أن أزمة كلف المعيشة وجائحة كورونا سرعتا التحول، مما دفع الناخبين من الطبقة المتوسطة إلى الهبوط إلى أسفل التسلسل الهرمي الاجتماعي والاقتصادي والانجذاب نحو الحركات السياسية المتطرفة. وحتى مزارعو أوروبا، الذين كانت سبل عيشهم في الماضي محمية بموجب السياسة الزراعية المشتركة للاتحاد الأوروبي، أصبحوا الآن يؤيدون المتطرفين.


مع ذلك، مثلما قد يميل يمين الوسط في أوروبا إلى استيعاب بعض سياسات اليمين المتطرف لتحييد التهديد، تبرز أدلة على أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تدرك أن بعض مبادراتها الأكثر عدوانية تنفر الناخبين. وعلى هذا النحو، تتجه هذه الأحزاب أكثر نحو الوسط.


تخلت مارين لوبان، القيادية في التجمع الوطني الفرنسي، عن خططها بشأن ما يسمى فريكست (خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي)، وأدانت أخيراً غزو روسيا لأوكرانيا على الرغم من تعبيرها الصريح ذات يوم عن إعجابها بفلاديمير بوتين.


وفي الوقت نفسه، سرعان ما نأت قيادة حزب "البديل من أجل ألمانيا" بنفسها عن تقارير تناولت اجتماعاً سرياً ناقش فيه بعض أعضاء الحزب ترحيل المواطنين "غير المندمجين".


وحتى غيرت فيلدرز، الذي حقق أخيراً انتصاراً انتخابياً في هولندا من دون أن يتمكن من تشكيل حكومة، يبدو أنه يدرك أن اليمين المتطرف يمكن أن يكون مؤثراً بالقدر نفسه على صعيد ممارسة الضغط من خارج المؤسسة السياسية بدلاً من إدارة البلد بنفسه.


ومع ذلك، يبقى صعود اليمين الأوروبي مهماً لأنه يغير المشهد بسرعة في واحد من أكبر الاتحادات الديمقراطية في العالم، في وقت يتصاعد فيه الاستبداد في أماكن أخرى. ويمكنه أن يحدث تغييراً ملحوظاً لسنوات مقبلة. ويبقى علينا أن نرى مقدار هذا التغيير.

*نينا دوس سانتوس: مذيعة وصحفية دولية حائزة على جوائز. كانت سابقاً محررة الشؤون الأوروبية لدى شبكة "سي إن. إن".

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

‏التراجع المدهش في قيادة الشمال العالمي‏