"عقدة الدرج الأخير".. قيود "وهمية" قد تعيق إبداع الطلاب وتحد من طموحهم

1713712186823302500
طلاب مدارس

أثار قرار المعلمة بنقل الطالب علاء (12 عامًا) إلى المقعد الأخير من الصف الغضب في نفسه، فقد اعتاد الجلوس في المقاعد الأمامية، مستمتعًا بمكانة مميزة ضمن الصف، حيث اعتبر هذا القرار عقابًا قاسيًا، تاركا في نفسه شعورًا بالظلم والإحباط.

اضافة اعلان


عاد علاء إلى منزله وهو يشعر بالظلم، يشكو لوالديه قرار المعلمة "الظالم" - كما اعتبره- بنقله إلى المقعد الأخير من الصف، "باعتباره غير مشاغب".


في صف علاء، كما في معظم صفوف المدرسة، ينظر إلى الدرج الأخير على أنه مخصص للطلاب ذوي القدرات التعليمية المنخفضة، والمتسببين بالمشاكل داخل الحصة الصفية، ويعتقد أن وضع هؤلاء الطلاب في الدرج الأخير يحد من تأثيرهم على تركيز باقي زملائهم في الصف.


يشارك علاء شعورًا بالظلم مع العديد من الطلاب الذين يوضعون في الدرج الأخير من الصف، حيث ينظر إلى هذا المكان على أنه تقليل منهم، خاصة وأن بعض المعلمين يساهمون في ترسيخ هذه الفكرة، ليصبح طلبة الدرج الأخير أكثر عرضةً للسلوكيات المشاكسة، وقد يواجهون الرفض من قبل زملائهم.


قرار المعلمة بنقل علاء إلى الدرج الأخير، دفع بوالدته الذهاب الى المدرسة رافضةً قرار نقل ابنها بشكل قاطع، وعللت رفضها بأن علاء من أوائل الصف، وأن هذا القرار سيؤثّر سلبًا على تحصيله العلمي.


تعبّر والدة علاء عن شعورها بالأسف تجاه ظاهرة الدرج الأخير، مؤكدة أن الأمر لا يقتصر على مجرد فكرة خاطئة، بل هو حقيقة تطبق بالفعل في العديد من المدارس، مبينة أن المعلمين يمارسون سياسة وضع الطلاب المتأخرين دراسيًا في الدرج الأخير، مما يؤدي إلى فقدانهم الدافع والرغبة في التحصيل العلمي.


يزيد من إصرار والدة علاء على إعادته إلى الدرج الأمامي شعورها بالظلم للتمييز الذي يمارسه معلمون ومعلمات في الصف، فتركيز المعلمين عادة ينصب على الطلاب في الأدراج الأمامية، ممّا يؤدي للانقسام داخل الصف.


يُخالف جواد أحمد (16 عامًا) معتقدات الكثيرين حول "عقدة الدرج الأخير"، فهو يفضل الجلوس هناك، ويراه ملجأً للراحة خلال الحصص الدراسية، ويكون بعيدا عن عين المعلم.


التحول الذي طرأ على سلوك جواد بعد نقله إلى الدرج الأخير من الصف كان لافتا، فهو لم يجرب الجلوس في الأدراج الخلفية من قبل، وكان ملتزمًا بأداء واجباته، ويحافظ على تركيزه خلال الحصص الدراسية، أما بعد نقله، فقد تغير سلوكه وأصبح لا يبالي بأي شيء من ذلك.


يحذر الاختصاصي التربوي د. عايش النوايسة من مخاطر الممارسات التربوية السلبية على ثقة الطلاب بأنفسهم ومعتقداتهم تجاه عمليات التعلم، لافتا إلى أن التصنيفات غير المنطقية التي يلصقها بعض المعلمين بالطلاب، والتي لا تتوافق مع قدراتهم الحقيقية، تؤدي إلى ترسيخ قناعات سلبية لدى الطلاب.


ووفق النوايسة، هذه التصنيفات احيانا تؤثّر بشكل عميق على علاقة الطلاب بأنفسهم وبالآخرين، وتقسّم الطلاب إلى أوائل وأقل تعلما، وترسخ قناعات لدى كلّ مجموعة من الصعب تغييرها، كما أن هذه الممارسات قد تزيد من ظاهرة التنمر بين الطلاب، وتتأثر علاقتهم سلبا بذويهم.


ويضيف؛ هذه الممارسات السلبية تشكل تكريسا لحالة الفشل لدى الطلاب، وهذا التناقض مع مبادئ التعلم النشط، يعيق إمكانيات التعلم ويحرم الطلاب من الاستفادة من بيئة تفاعلية. 


يؤكد النوايسة، أهمية المساهمة في إلغاء الدور التقليدي لغرفة الصف، وافساح المجال نحو بيئة تعلم تفاعلية تلغي "عقدة الدرج الأخير"، مع الاعتماد على التعاون، مؤكدا على دور المعلم في تغيير قناعات الطلاب وتوجيههم والاستفادة من استراتيجيات التعلم ضمن المجموعات وغيرها.


تحذّر اختصاصية الإرشاد التربوي الدكتورة سعاد غيث من مخاطر الصورة النمطية الشائعة عن الطلاب الذين يجلسون في "الدرج الأخير" في الصف. وتشير إلى أن هذه الصورة قد تكون خاطئة في كثير من الأحيان، إلاّ أنها تؤثر بشكل سلبي على سلوك الطلاب وتعيق تحصيلهم العلمي. 


ويحرص بعض الآباء على جلوس أبنائهم في الصفوف الأمامية، وكذلك تركيز المعلمين على طلاب هذه الصفوف أكثر من غيرهم، يساهم في ترسيخ نظرة نمطية خاطئة تقلل من قيمة الطلاب الجالسين في الصفوف الخلفية. دراسات تشير إلى أن هذه الظاهرة تؤثر سلبًا على تركيز الطلاب وتعيق تحصيلهم الاكاديمي، مؤدية إلى شعور الطلاب الجالسين في الصفوف الخلفية بالدونية والإحباط.


ووفق غيث، هذه الصورة النمطية للأسف موجودة ومبالغ فيها على هؤلاء الطلبة، لافتة إلى أن المشكلة تكمن في أن الطالب الذي يجلس في الدرج الأخير حتى وإن لم يكن معروفا لدى زملائه يتم الحكم عليه، والأخطر بأنه قد يتبنى هذه الصورة وبالتالي يصبح مشاغبا بطيء التعلم ويتسبب بالمشاكل وحتى وإن لم يكن هو كذلك من قبل.


الإدارة الصفية السليمة التي تتمتع بمعلمين ذوي وعي مرتفع لا يسمحون لهذا الأمر ويرفضون إطلاق أي تعليقات سلبية على الطلبة أو التنمر عليهم في الأدراج الأخيرة وإن وجدت، ايضا التعامل بطريقة واعية ونقل الطلبة ودمجهم وتبديلهم بين الأدراج، بحسب غيث.


وعلى المعلم أن يوعي الطلاب بأن موقع الجلوس في الصف لا يُؤثّر على قدراتهم وتحصيلهم العلمي أو حتى سلوكهم، فالنجاح يمكن تحقيقه في أيّ مكان في الصف، مع ضرورة الالتفات إلى الطلبة الخجولين والذين يميلون إلى العزلة وقلة المشاركة، فهؤلاء قد يختارون الجلوس في الأدراج الخلفية لتجنب التفاعل مع المعلم والزملاء.


وتبدو هذه المشكلة جلية ضمن الإدارة الصفية الضعيفة، حيث إن المعلم الذي يركز اهتمامه فقط على الطلاب في الأدراج الأمامية ولا يلتفت للطلاب في باقي أرجاء الصف، ويبقى عند مكتبه ولا يتجول في الصف، يتسبب في تقليل نسبة المشاركة وترسيخ الصورة النمطية السلبية حول "عقدة الدرج".

 

اقرأ أيضاً: 

المرشد النفسي بالمدارس "صمام أمان" للطلبة.. حاضر أم غائب؟

مدارس "تستغل" جيوب الأهالي بحجة "الأنشطة المدرسية"