السلفيون-الجهاديون: الانتشار الجغرافي والقضايا المحلية

يمكن للمتابع لفهم التطورات والتغييرات في استراتيجيات القاعدة، والمجموعات السلفية-الجهادية المرتبطة أن يتعامل مع الاعتقالات الأخيرة في عدد من دول العالم لأفراد ارتبطوا بها، بشكل أو آخر، على طريقة الـ Jigsaw Puzzle أو ما يعرف بـ "لعبة تركيب القطع" لتتشكل من القطع المتناثرة صورة واحدة أو واضحة.

أعلن في العاصمة النرويجية اعتقال ثلاثة أشخاص في الأسبوع الماضي، ولهم ارتباطات بخلية مانشستر والتي تشكلت في شمال انجلترا من طلاب باكستانيين، تمت تبرئتهم جميعا فيما عدا عبد ناصر، والذي ما يزال معتقلاً في بريطانيا. وبحسب الادعاء النرويجي، فقد ارتبطت الاعتقالات بالإضافة إلى مانشستر بخلية الأفغاني نجيب الله زازي، وزملائه ممن حاولوا تفجير مترو الأنفاق في نيويورك. وفي الثامن من تموز (يوليو) الحالي، كانت صحيفة "ذا ناشيونال" الناطقة بالانجليزية في أبوظبي، تنشر خبرا عن إدانة شخصين بمحاولة تفجير مجمع تجاري في دبي.

تركيب هذه الاعتقالات مع بعضها بعضا، لا يقصد به الارتباطات التنظيمية أو الجغرافية، بل أكثر من ذلك؛ النظر في أصول المعتقلين، ففي حالة النرويج، فإن المعتقلين الثلاثة هم كردي-عراقي، ومن قومية الإيغور في الصين، وأوزبكي. وفي حالة خلية مانشستر فإن ناصر باكستاني، ونجيب الله زازي أفغاني. والمدانان في دبي هما أيضا من قومية الإيغور، ويمكن أن يضاف لهؤلاء فيصل شاه زاد الذي حاول تفجير "تايمز سكوير" في نيويورك، منذ أشهر، فهو من أصول كشميرية.

ومن الملاحظ على هؤلاء، أنهم في معظمهم ينتمون لقوميات لها مطالب استقلالية/انفصالية، كحالة كردستان، أو الإيغور، أو أفغانستان أو كشمير، وعادة كان هناك حالة من الانفصال، أو التمايز الشديد بين أجندة مجموعات "الجهاد العالمي"، والمجموعات المحلية المسلحة، وكانت الشيشان، ولاحقا العراق، المثال الأبرز على هذا التناقض.

وعلى ذلك كان الباحث الفرنسي أوليفيه روا، وفي مقال في الـ "نيويورك تايمز"، بُعيد تفجيرات السابع من تموز (يوليو) عام 2005، قد حاجج بأنه لا يوجد بين أفراد القاعدة عراقيون أو أفغان، باعتبار اختلاف اجنداتهم الاستقلالية عن أجندة القاعدة أو المجموعات السلفية - الجهادية. ولكن الآن لم يعد هذا صحيحا، فالعديد من المجموعات المحلية بدأت تتبنى خطابا أو سلوكا سياسيا يتطابق مع التيارات السلفية-الجهادية. ويبدو أن مختبر هذا التحول المحلي للجهاد هو المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان.

من تلك المنطقة تبرز التحالفات بين القاعدة، وأخواتها، إن استخدمنا عنوان كتاب الزميل كميل الطويل، مع المجموعات المحلية، كحالة طالبان باكستان، ولكن بالمقابل فإن المنطقة هي مختبر التحول للمجموعات القومية، فمثلاً ما يعرف بـ "المجموعة الأوزبكية"، التي يرأسها منذ منتصف التسعينيات طاهر يولداشيف، لها حركتها الناشطة وأيضاً امتدادها في آسيا الوسطى. وأيضاً المجموعة الإيغورية، التي كانت بقيادة "حسن معصوم/مخدوم" قبل مقتله على يد القوات الباكستانية عام 2003، وحاليا قائدها الأمير عبد الحق، نشرت عدداً من المواد الإعلامية الشبيهة بمواد السلفيين - الجهاديين، منذ عام 2008، تدعو إلى الجهاد في الصين، وأظهرت ميولا للخطاب السلفي-الجهادي.

باتت مثل هذه التحولات تشكل الصورة العامة لمجندي القاعدة الجدد، من خلال بناء تحالفات مع القوى المحلية، مسلحة وغير مسلحة، ما يضمن لها وجودا على مساحات جغرافية مختلفة، ولعل الأهم أيضا أن ذلك يمنحها ميزة تجاوز الضغوط الأمنية وتوزيعها، وكذلك تقديم مجندين جدد غير معروفين أساسا للأجهزة الأمنية، وهو ما يلاحظ على الاعتقالات المذكورة أعلاه.

اضافة اعلان

بالمقابل، وفيما تكتمل الصورة عن تحولات السلفية الجهادية، فيما يتعلق بالتجنيد، واستقطاب العناصر المحلية، فإنه من المهم الملاحظة، بأن بدء تلك المجموعات بتبني خطاب القاعدة يؤشر على فشل في بناء حركات قومية، سواء بفعل تلك الحركات ذاتها حيث لم تقدم خطابا يجيب عن الأسئلة الرئيسية للقضية القومية، وإما أنها أُفشلت، وبكلمات أدق قمعت، ولم يترك لها أي قناة سياسية للمطالبة بما تعتبره حقوقها.

[email protected]