اللادولة.. خيار إسرائيلي ثالث

ترفض إسرائيل قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة العام 67، ورغم تأكيد الولايات المتحدة على حل الدولتين وإعلان بنيامين نتنياهو قبوله بمبدأ الحل على هذا الأساس إلا أن التصور الذي يطرحه لشكل ومضمون الدولة الفلسطينية التي ستكون محشوة بالمستوطنات ولا سلطة لها على أجوائها ولا على حدودها، يجعل قيام الدولة أمرا مستحيلا، لأن العثور على فلسطيني واحد يقبل بهذه الشروط يدخل في إطار المعجزات التي توقفت عن الحدوث.اضافة اعلان
وترفض إسرائيل أيضا فكرة الدولة ثنائية القومية، وهي فكرة تحظى بقبول الكثيرين في العالم وفي الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. ورغم ما لنا عليها من ملاحظات إلا أنها تبقى الشكل الأكثر منطقية والأكثر عدالة للتسوية النهائية للصراع. لكن إسرائيل التي تختصر ذاتها في مشروع الدولة اليهودية لن تقبل مجرد النظر في هذه الفكرة، ولا يمكن أن تفكر بغير اليهود مواطنين في الدولة، ولعل سياسة التمييز العنصري والإقصاء التي تعتمدها تل أبيب بشكل ممنهج إزاء الفلسطينيين داخل الخط الأخضر تؤكد أن النزعة العنصرية هي أساس الفكرة الصهيونية التي ترفض الآخر ولا تستطيع التعايش مع "الأغيار".
لا قبول بمشروع الدولتين، ولا تفكير بمشروع الدولة الواحدة.. ما الحل إذن؟
من وجهة النظر الإسرائيلية، يبدو الحل متحققا أصلا. ويتجسد في وجود دولة احتلال وأراض محتلة، عليها ما يشبه الحكم الذاتي حيث الإدارة المدنية لأصحاب الأرض بينما الأمن والسيطرة في أيدي قوات الاحتلال، وهي التي تفتح المعابر أو تغلقها، وتحاصر المدن أو تقف على مشارفها، وتنفذ الاعتقالات أو تفرج عن القليل من الأسرى بصفقات تبادل، وتريد رغم كل ذلك أن تفاوض على اللاحل الذي يرسخ مشروع اللادولة باعتباره حلا نهائيا.
هكذا نقرأ التفكير الإسرائيلي المدعوم أميركيا في زمن باراك حسين أوباما، وهو التفكير الذي ترعاه لجنة رباعية دولية يؤكد موفدها توني بلير في كل تصريح يهوديته السياسية.
أمام هذا الواقع كان لا بد من خطوة أيلول التي قادها الرئيس محمود عباس، ونأمل أن يحميها من الوأد وأن يرفض استئناف المفاوضات العبثية مع الجانب الإسرائيلي مهما كانت مظلة المفاوضات في هذه المرحلة.
بغض النظر عن مواقف أوباما وبلير، بدأ العالم بالفعل في تغيير نظرته لإسرائيل، وإعادة صياغة تعريفها، والانتقال من اعتبار وجودها "نتيجة عادلة لكارثة المحرقة" إلى اتهامها بإشعال الحرائق السياسية واقتراف محارق كثيرة ضد الفلسطينيين. وقد كان التوجه العالمي واضحا تماما في الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وجسد التفاعل مع خطاب الرئيس عباس هذا الموقف الأممي، وربما وجه رسالة إلى الفلسطينيين لإعادة النظر في تكتيكهم السياسي، وفي رؤيتهم للموقف الدولي. 
في كل الأحوال ينبغي البحث عن طريقة للخروج من حالة اللاحل واللادولة. كما يتوجب التحرر من الوهم بإمكانية استمرار هذه الحالة. وليس صعبا ولا محرجا أن يجدد الفلسطينيون خطابهم السياسي ليفتح الباب على كل الحلول بما فيها مشروع الدولة ثنائية القومية.
لقد انتهى أوسلو، وانتهت خريطة الطريق، وانتهت جميع التفاهمات السابقة، فلماذا لا يتم التقدم خطوة إلى الأمام بطرح جريء قد يلقى قبولا في العالم.. وإن لم يحظ بالقبول، فإنه بالضرورة سيبقى خيار الدولتين قائما.

[email protected]