انتخابات مختلفة ونتائج متشابهة

القانون الذي ستُجرى الانتخابات النيابيّة وفقه هذا العام متقدّمٌ على ما سبقه من تشريعاتٍ حكمت العمليّة الانتخابيّة. لكنّه لن يحدث فارقاً كبيراً في منتجها. ذاك أنّ السبيل الوحيد لتحسين أداء السلطة التشريعيّة هو اعتمادها العمل البرامجيّ المُبلور عبر أطر عملٍ جماعيّة. وهذا لن يكون متاحاً في المجلس القادم.اضافة اعلان
المشكلة ليست في القانون وحده. فالتشريع الجديد يتيح، ولو إلى حدٍّ غير مكتملٍ بعد، التنافس على مقاعد البرلمان على أساس البرامج وضمن قوائم. لكنّ كلّ المؤشّرات أنّ المرشّحين يشكلون قوائم لأنّهم لا يملكون خيار خوض الانتخابات منفردين، وأنّ الحديث عن البرامج هو الغائب الأكبر عن المشهد.
فليس من بين ما يرشح من معلوماتٍ عن عمليّة بناء التحالفات الانتخابيّة ما يشير إلى أنّ التوافق على الرؤى والأهداف هو الأرضيّة المشتركة للقوائم التي يتمّ تشكيلها. السائد حتّى اللحظة هو محاولات بناء قوائم انتخابيّة وفق حساباتٍ تكتيكيّةٍ مرتبطةٍ بعدد الأصوات التي يمكن أن يجلبها كلّ مرشّحٍ للقائمة، مع توافقٍ معلن أو غير معلن على أن يتنافس المرشّحون ضمن القائمة الواحدة فيما بينهم.
معنى هذا أنّ القانون الجديد سيرفع عدد الأصوات التي سيحتاجها المرشّح للفوز بمقعدٍ برلمانيٍّ، لأنّ دائرة التنافس توسّعت. وهذا أمرٌ إيجابيّ. لكنّه لا يعني أنّ البرلمان الجديد سيتشكّل من تكتّلاتٍ سياسيّةٍ تبلورت قبل الانتخابات على أسسٍ برامجيّة. الفائزون سيكونون أفراداً تنافسوا مع "حلفائهم" المفترضين في القوائم التي حملتهم إلى تحت القبة تماماً كما تنافسوا مع قوائم أخرى.
وإذا حدث أن فاز أكثر من مرشّحٍ من قائمةٍ واحدة، فذلك لا يعني أنّ أعضاء القائمة سيلتزمون توجّهاتٍ سياسيّةٍ مشتركةٍ أو سيتّخذون مواقف متناغمةً إزاء القضايا التي سيناقشها المجلس. فالمشترك الوحيد بين معظم هؤلاء سيكون أنّهم فازوا ضمن قائمةٍ واحدةٍ قامت على التوازنات التصويتيّة وليس على المواقف السياسيّة. بالطبع سيكون الإسلاميّون المنتمون لحزب جبهة العمل الإسلاميّ أو "جماعات" الإخوان المسلمين الاستثناء الأكيد في ذلك المشهد.
والصحيح أنّ أحداً لا يجب أن يتفاجأ ممّا ستنتجه الانتخابات القادمة. فلم يكن متوقّعاً من القانون وحده أن يحقّق التغيير المنشود في تركيبة مجلس النوّاب وآليّة عمله. فالتشريع جانبٌ رئيس. لكنّ أساس تحقيق التغيير هو تطوّر البيئة السياسية حدّ إنتاج الأحزاب ذات الحضور الشعبي، وحدّ المنافسة والتصويت في الانتخابات على أساس البرامج السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة الواضحة. وهذا تطوّر ما يزال بعيد المنال.
بيد أنّ الانتخابات القادمة ستكون خطوةً نحو هذا التطوّر. فعلى مدى السنوات الماضية، كانت قوانين الانتخابات القاصرة الشمّاعة التي عُلّق عليها الفشل المتكرّر في انتخاب مجلس نوّابٍ مقنعٍ في أدائه. حصاد الانتخابات القادمة سيُضعف المحاججة التي تردّ ضعف مجلس النوّاب إلى الجانب التشريعي حصراً أو بشكلٍ رئيس، وسيزيد التركيز على أهميّة العمل السياسيّ البرامجيّ الجماعيّ في تطوير العمل النيابيّ.
لن يستطيع أيّ قانونٍ أن يغيّر المشهد في مجلس النوّاب في دورةٍ أو اثنتين، وإذا لم تكن الثقافة السياسيّة منسجمةً مع أهدافه وقادرةً على تحقيقها. لذلك لا يمكن النظر إلى الانتخابات القادمة إلّا كمحطّةٍ على طريق إصلاحٍ طويلةٍ لن تصل وجهتها قبل أن ينضج العمل الحزبيّ، وأن تتغيّر الثقافة السياسيّة، بحيث ننتخب من يلتقي معنا بالفكر لا بالقرابة.
الإصلاح ليس قراراً أو تشريعاً رغم أنّه يحتاجهما لكي ينطلق. الإصلاح، في كلّ جوانبه، عمليّةٌ متدرّجة، أثبتت الحقائق نجاعة الرؤية الأردنيّة التي رأت إليه كذلك، وسارت نحوه بالتدرّج الذي يفرضه الحرص على النجاح.