تعالوا إلى كلمة سواء

في غمرة الانفعال يتراجع المنطق ويصبح سهلا تداول الغلط والتجاوز على الحقيقة. هذا ما لحظناه في بعض الشعارات الانفعالية التي ظهرت في بعض فعاليات الحراك الإصلاحي في عمان والمحافظات، وخصوصا تلك الهتافات التي تسأل عن مآلات ملكية اراضي الدولة وتشكك في دوافع تسجيل مساحات معينة من هذه الأراضي باسم جلالة الملك وباسم الديوان الملكي. وربما خيل إلينا في لحظة خارجة عن المنطق أيضا أن السؤال يتعلق بمئات آلاف الدونمات من الأراضي الأميرية. وكان غياب الرد على هذه الشعارات يغذيها ويدفعها الى رأس قائمة المطالب في المسيرات والاعتصامات التي أصبحت جزءا من روتين الجمعة الأردنية، وخبرا رئيسا للفضائيات المعنية بتغطية وقائع الحراك الإصلاحي في بلادنا.اضافة اعلان
كان لا بد من توضيح الأمر والرد على هذا السؤال ليس بالتصريحات الفضفاضة والشعارات السياسية، ولكن بالوثائق والوقائع والأرقام، وهذا ما فعله رئيس الديوان الملكي رياض أبو كركي ومستشار الملك لشؤون الاعلام والاتصال أمجد العضايلة في لقائهما بالصحفيين مساء أمس، حين قدما لنا حصرا دقيقا، بالمساحات والمواقع، لأراضي الدولة التي سجلت باسم الملك لأغراض تنموية شملت إنشاءات ضرورية ومرافق خدمية ومشاريع إسكانية، وقد تولت القوات المسلحة تنفيذ بعض هذه المشروعات التنموية التي تخدم المنتسبين إليها.
عرفنا أمس أيضا أن مساحة الأراضي التي سجلتها حكومات سابقة باسم الملك لا تتجاوز أربعة آلاف وثمانمائة وسبعة وعشرين دونما، تم تحويل ألف وخمسمائة وتسعين دونما منها الى القوات المسلحة وأمانة عمان الكبرى وصندوق الملك عبد الله الثاني للتنمية، وذلك لتنفيذ مشاريع توفر لها التمويل، بينما تنتظر المساحات المتبقية تنفيذ مشاريع خدمية وتنموية أخرى حال توفر التمويل اللازم لها.
لم يكن هناك بيع للأراضي، ولم يتم التصرف بمتر واحد خارج أهداف التنمية المجتمعية التي شملت تقديم آلاف المنح الدراسية للطلبة الأردنيين، بالإضافة الى بناء الاسكانات للأسر الأقل دخلا والأكثر حاجة.
مما عرفناه أيضا أن أراضي حدائق الحسين لم تكن في الأصل أراضي مملوكة لخزينة الدولة، بل كانت ملكا خاصا للمغفور له الملك الحسين، وقد بادر جلالة الملك بالتبرع بهذه الأرض التي تبلغ مساحتها سبعمائة دونم لتقام عليها حدائق الحسين ومسجد الملك الحسين ومتحف الأطفال ومتحف السيارات. وعلمنا أن القيمة العقارية لهذه الأرض تتجاوز ثلاثمائة وخمسين مليون دينار.
لو لم يطرح السؤال المستفز في الاعتصامات والمسيرات ما كنا عرفنا شيئا من هذه الحقائق الموثقة في الدوائر الرسمية، ولو لم يتحدث البعض عن مئات آلاف الدونمات ما كنّا عرفنا الحجم الحقيقي للأراضي المعنية ولا نوعية المشاريع المقامة عليها.
ربما لا يعرف من طرحوا السؤال "... أراضينا راحت وين؟" أن أيا منهم يستطيع التحقق في دوائر الأراضي من تسجيل أراض باسم الملك ولا يستطيع الاطلاع على تسجيل أراض باسم أي مواطن عادي!
يحتاج الإصلاح الى جهد جمعي، ولا يستفيد من التشكيك والشعارات المجانية. ويحتاج الإصلاح الى الحوار والى الوضوح في الرؤى والمواقف حتى نجمع في النهاية على كلمة سواء.