خطر داهم على الحرمين الشريفين

إنها رسالة لكل ضمير عربي إسلامي حيّ، يستطيع أن يفعل شيئاً قبل فوات الأوان.
في العام 2002 أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي طرح عطاء لإنشاء سكة حديدية بقيمة 500 مليون يورو لنقل المستوطنين في القدس الغربية إلى القدس الشرقية المحتلة. وقد رسا هذا العطاء على مجموعة "سيتي باص" التي أصبحت بموجب ذلك المسؤولة وصاحبة الامتياز الأول لإنشاء هذا المشروع وتشغيله وصيانة النظام المرتبط به لمدة 30 عاماً. وتنفذ المشروع شركتان فرنسيتان من ضمن خمس شركات عالمية تمتلكها المجموعة. ففي نيسان 2006 تم بدء العمل في الخط الأول من المشروع، وانتهى في العام 2010، حيث سيمتد هذا الخط من مسار السكة الحديدية إلى مسافة 13.8كم. ويقف القطار خلال خط سيره في 23 محطة ليخدم 100 ألف مستوطن يومياً. اضافة اعلان
وفي أيلول 2007، قامت الشركة الفرنسية بتسليم 46 قطاراً ذات مواصفات خاصة إلى سلطات الاحتلال ليتم استخدامها في المشروع. وبحسب المخطط، سيتم الانتهاء من بناء جميع الخطوط نهاية العام 2020.
الهدف من المشروع خلق وقائع على الأرض تجذّر تهويد القدس، من أجل تحويلها إلى عاصمة "للدولة اليهودية" المزعومة، وذلك بحسب مخطط التنظيم الهيكلي للمدينة الذي يطلق عليه الصهاينة 20/20. كما أن مسار السكة يأتي منسجماً تماماً مع الأهداف الاستيطانية حول القدس الشرقية المحتلة، متجاهلاً تماماً مصالح الفلسطينيين واحتياجاتهم، في حين يكفل تواصل الكتل الاستيطانية مع القدس الغربية التي احتلت ودمرت 36 قرية حولها بعد طرد سكانها العام 1948؛ حيث سيؤدي مشروع السكة الحديدية دوراً رئيساً في المحافظة على المستوطنات وضمان توسعها في الأراضي الفلسطينية وفي القدس ومحيطها على وجه التحديد، وستُجنى الأموال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، ومن معاناة الفلسطينيين المقدسيين الذين يتعرضون لسياسة ترحيل ممنهجة يفرضها عليهم الاحتلال لطردهم من المدينة.
قرار الشركات الفرنسية القاضي بتمويل ودعم هذا المشروع، يُعَدُّ متناقضاً مع القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين، فهذا المشروع الذي يُنفذ على الأرض الفلسطينية هو في الحقيقة أساس لتطوير البنية التحتية الاستيطانية في القدس المحتلة، وهو بصفته هذه يشكل خرقاً خطيراً للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية جنيف.
وبناءً على ذلك، فإن الشركتين المتورطتين في هذا المشروع تُعَدَّان داعمتين بصورة مباشرة لعمليات التطهير العرقي التي يجرى تنفيذها بحق الفلسطينيين في القدس المحتلة عبر مخططات الجدار والاستيطان وشبكات الطرق الاستيطانية في المدينة المقدسة، والتي يهدف الاحتلال من ورائها إلى الاستيلاء على أراضي وعقارات الفلسطينيين فيها.
وعلى ضوء ذلك، انطلقت حملات فلسطينية على المستوى الدولي للضغط على الشركتين الفرنسيتين للانسحاب من المشروع. وقد نجحت هذه الحملة في تكبيد إحداهما خسائر قُدِّرت بالمليارات في أوروبا، ما اضطرها إلى الانسحاب من المشروع وبيع أسهمها لشركة صهيونية تُسمى "دان" في 8 أيلول 2009، بينما واجهت الشركة الثانية عدة حملات دولية وعربية، مثل رفع قضية عليها في المحاكم المصرية لطردها من عطاء المترو الثالث في مصر، وقضية ضدها في المحاكم الفرنسية بتهمة انتهاكها للقانون الدولي.
هذا هو الجزء الأول من القضية، أما الأخطر فهو المقبل من الأيام. حيث تنتظر هذه الشركة الفرنسية أن يرسو عليها مشروع قطار الحرمين السريع الذي سيربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة، بقيمة تمويلية تصل إلى 10 مليارات دولار، بحسب ما صرح به مسؤولون سعوديون.
الشركة الفرنسية تعد من أكبر شركات العالم في إنشاء السكك الحديدية ومحطات توليد الكهرباء، ولديها مشاريع عديدة في العالم العربي؛ في السعودية والعراق والمغرب ومصر والكويت.
نشطاء فلسطينيون وعرب في أوروبا يتحركون الآن لتنظيم أكبر حملة مقاطعة لهذه الشركة الفرنسية، مؤمنين أن المقاطعة ومقاومة التطبيع ليستا مقتصرتين على الشعوب العربية والإسلامية، بل أصبحتا وسيلتين عالميتين تتبناهما الشعوب الغربية والأوروبية كأداة اقتصادية فاعلة تتجلى في مقاطعة المنتجات والبضائع والخدمات للشركات الإسرائيلية ولمنتجات المستوطنات ضمن توجه إنساني الطابع.
يوم غد الأربعاء ستعقد "الحملة الأوروبية لمقاطعة شركة (...) وشركاء تهويد القدس"، والتي اختصرت اسمها في "كرامة"، مؤتمراً صحفياً في العاصمة اللبنانية بيروت، يكشف خلاله رئيس الحملة، الناشط الفلسطيني في أوروبا وأميركا خالد الترعاني، كل التفاصيل المتعلقة بحملة المقاطعة، وضرورات التصدي لهذه الأعمال التي من شأنها الإضرار بمصلحة القضية الفلسطينية، بل وتدنيس الحرمين الشريفين بعد تدنيس قبلة المسلمين الأولى من قبل هذه الشركة.