ضمان سيادة القانون قرار

قدّمت الورقة النقاشيّة السادسة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين رؤيةً واضحةً وطرحاً متماسكاً متكاملاً حول مركزيّة سيادة القانون وضرورة تطبيقه بعدالةٍ في الدولة الأردنيّة المدنيّة التي يشكّل الدين فيها "عاملاً أساسيّاً في بناء منظومة الأخلاق والقيم المجتمعيّة" والتي "ترتكز على السلام والتسامح والعيش المشترك، وتمتاز باحترامها وضمانها للتعددية والرأي الآخر".اضافة اعلان
طرْح جلالة الملك صريحٌ مباشرٌ لا يحتاج إلى تفسير. لكنّ ترجمة أفكار الملك واقعاً في الممارسات ومكوّناً راسخاً في الثقافة الجمعيّة تتطلّب خطواتٍ تنفيذيّةً والتزاماً مؤسّساتيّاً من الحكومة ومن بقيّة مؤسسات الدولة الرسميّة والمدنيّة.
فلا ديمقراطيّة من غير سيادة القانون. ولا تماسك اجتماعيّاً ولا أمن حقيقيّين من غير تطبيقٍ صارمٍ وعادلٍ له. الديمقراطيّة ثقافة. لكنّ ترسيخ هذه الثقافة يتأتّى عبر سيادة القانون بقدر ما يتحقّق من خلال التوعية والتعليم.
جلالة الملك قدّم الرؤية. مطلوبٌ من الحكومة الآن أن تقدّم خطّتها لتنفيذها بالتنسيق مع مجلس الأمة وبقيّة مؤسّسات الدولة. وكما كانت ورقة جلالة الملك مباشرةً محدّدةً في طرحها، تحتاج خطّة الحكومة التنفيذيّة أيضاً أن تكون مباشرةً واضحة الأهداف وآليّات الوصول إليها.
وفي حين أنّ ترسيخ بعض ما طرحه جلالة الملك يتطلّب جهداً طويل المدى، ثمّة بعضٌ آخر لا يحتاج من الحكومة إلا إرادةً وتحرّراً من قيود الاسترضائيّة التي سمحت بتفاقم الكثير من الآفات المجتمعيّة والقيميّة.
لذلك يجب أن تحتوي الخطة التنفيذيّة المتوقّعة من الحكومة مسارين: الأوّل طويل المدى، والثاني فوريٌّ يستهدف معالجة الاختلالات التي نتجت عن التراخي في تطبيق القانون والتقصير في تحمّل المسؤوليّة.
فلا طريق مختصرةً لحماية الوعي العام من الاختراقات التي شوّهت العمليّة التعليميّة، وأضعفت بيروقراطيّة الدولة، وجعلت ممارساتٍ مغلوطةً مثل الغشّ في الامتحان المدرسيّ أو الجامعيّ، وتهديد حياة الآخرين عبر إطلاق النار في المناسبات العامّة ظواهر لا يرى كثيرون عيباً أو ضرراً في ارتكابها أو في التوسّط لحماية مرتكبيها من العقاب.
ومن أجل تنقية الثقافة الجمعيّة من هذه التشوّهات وغيرها من الأمراض التي تروّج للإقصائيّة والسلبيّة ورفض الآخر، ثمّة حاجةٌ لجهدٍ توعويٍّ مؤسّساتيٍّ يبدأ في المدارس ويستمرّ في الجامعات وفي كلّ منابر الحوار العام، وتتعاون عليه كل مؤسسات الدولة الرسميّة وغير الرسميّة.
القضاء على هذه التشوّهات مسيرةٌ طويلة. لكنّ تطبيق القانون قرار.
فلا يجب أن تكون سيادة القانون أمراً قابلاً للمناورة أو خاضعاً للاعتبارات السياسيّة. فلا إصلاح ولا تقدّم ولا حفاظ على إرث المملكة الوطنيّ والإنسانيّ المستنير من دون تطبيقٍ صارمٍ وعادلٍ للقانون على الجميع. وهذا ما يجب أن تقوم به الحكومة، بدعمٍ مطلقٍ من السلطة التشريعيّة ومن جميع مؤسسات المجتمع المدني.
ورقة الملك السادسة رسالةٌ صريحةٌ إلى الحكومة وإلى مؤسّسات الدولة جميعاً أن اضمنوا سيادة القانون لأنّ في ذلك ضمانا لاستمرار مسيرة البناء وتجذيرا لإرث الأردن القائم على الاستنارة والتعدّديّة واحترام حقّ المواطن في العدالة والمساواة. لذلك تلقّفها الأردنيّون بشغف، ولذلك يجب أن تبدأ مؤسّسات الدولة العمل الفوري لتطبيقها.