في فهم العلمانية

يستخدم جزء لا بأس به من الناس كلمة "علماني" للإشارة إلى شخص ما بأنه إنسان غير سوي أخلاقيا ودينيا. ويتم وضع الكلمة، في كثير من الحالات، في سياق سلبي، وإظهار العلمانية بأنها فكر غربي صهيوني ماسوني، هدفه الأساسي معاداة الدين والترويج للانحلال الأخلاقي وطمس هوية الأمة.اضافة اعلان
لعله من المفيد، وفي إطار الحوار الإيجابي، أن نحاول توضيح مفهوم العلمانية بشكل بسيط بعيد عن المغالطات التي تم ترويجها على مدى عقود، مع التأكيد على أن هذا المفهوم واضح في أغلب مناطق العالم باستثناء منطقتنا. وهو أمر ليس بالغريب، بالنظر إلى الحالة الثقافية والسياسية التي تسيطر على المنطقة.
ببساطة شديدة، فإن العلمانية ليست فكرا من حيث الأساس؛ أي إنها ليست أيديولوجيا، كما أنها ليست دينا. العلمانية هي جزء من نظام إدارة الدولة، وهو نظام مبني، ببساطة، على حماية حق الأفراد والمجموعات داخل المجتمع في اعتناق وممارسة أفكارهم وأيديولوجياتهم وأديانهم طالما كان ذلك في إطار سلمي غير عنيف. وهذا الحق مبني على أساس مبدأ الحق في الاعتقاد، وهو حق تجب حمايته من قبل الدولة. وبالتالي، فعلى من يرى في العلمانية تهديدا للدين أن يعرف تماما أن العلمانية تشكل الضمانة لحق الناس في التدين، وممارسة عباداتهم وشعائرهم الدينية بحرية.
ما يتحدث به البعض بأن العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة، هو فهم مبسط وغير صحيح. فالمقصود أساسا هو فصل الدين والمعتقد عن التشريع الذي يخضع عادة للتجاذبات السياسية. وفي المجتمعات متعددة الأديان والمذاهب، قد يؤدي الاعتماد على الدين وحده كقاعدة للتشريع إلى نشوء صراعات بين أتباع الديانات المختلفة أو المذاهب المختلفة. فالنصوص الدينية من وجهة نظر أتباعها، هي نصوص مقدسة وغير قابلة للنقاش الجذري، وبالتالي لا يمكن إخضاعها للتجاذبات السياسية. وكما نعلم، فإن التشريع لا يمكن أن يتم إلا إذا خضع النص التشريعي للنقاش والحوار والرفض والقبول والتفاوض، وهو أمر غير ممكن في حالة النصوص الدينية. وفي الوقت ذاته، تؤكد العلمانية على احترام الأديان وحق الناس في اعتناقها وممارستها، وتضمن لهم هذا الحق وتحميه.
العلمانية لا تأتي منعزلة، فحتى تؤتي ثمارها في إدارة الدولة، يجب أن تكون مرتبطة بالديمقراطية التي تضمن للناس؛ أفرادا ومجموعات، حق المشاركة في إدارة الدولة من خلال ممثلين منتخبين. وهؤلاء يقومون بسن التشريعات التي تراعي مصلحة الدولة والمجتمع والأفراد، في إطار سياسي يسمح بالتعددية والاختلاف، ويسمح كذلك للناس بإعادة تشكيل سلطاتهم التشريعية والتنفيذية بما يتوافق مع مصالحهم واحتياجاتهم.
لا يوجد مجتمع في العالم يتشكل من لون واحد، فالتنوع والتعدد أساس المجتمعات. والعلاقة بين مكونات المجتمع وشبكة مصالحهم يمكن أن تتحول إلى صراع إذا حاول مكون ما في هذا المجتمع السيطرة على باقي المكونات وفرض أفكاره عليهم. ولذلك، تأتي العلمانية هنا لتضمن حق التنوع، وتأتي الديمقراطية لتضمن حق المكونات المختلفة للمجتمع في إدارة هذا المجتمع.