نحترمكم ونختلف معكم

لا نشك في أن للحركة الإسلامية مبرراتها الذاتية للاعتذار وعدم المشاركة في حكومة الدكتور عون الخصاونة، واكتفائها بوعد بدعم الرئيس المكلف وحكومته ومساعدته على تنفيذ "أي برنامج إصلاحي"، وهي بالضرورة مبررات تنظيمية لها علاقة بقراءة الحركة لواقعها وتقييمها للمكاسب أو الخسائر التنظيمية الناتجة عن المشاركة في حكومة ينعقد الأمل على نجاحها في إخراجنا من عنق الزجاجة، بأداء متميز لفريق وزاري قوي وقادر ليس على صناعة السياسة الحكومية فقط بل على اجتراح الحلول الصعبة وتنفيذها.اضافة اعلان
لكن هذا الاستنكاف الذي يترجم رؤية حزبية تجد مصلحة "الجماعة" في البقاء في الشارع وخارج أسوار مؤسسة الحكم، يجيء بعيدا إن لم نقل متناقضا، مع الخطاب المعلن للحركة الإسلامية في شأن مسيرة الإصلاح التي تعثرت كثيرا بسبب ضعف الحكومة السابقة وتباطُئها في تنفيذ البرامج واتخاذ الإجراءات المنسجمة مع المطالب الإصلاحية للشارع وقواه السياسية.
كان الإسلاميون الأكثر وضوحا وحدّة في نقد حكومة الدكتور معروف البخيت، وقد اختاروا القطيعة معها حين رفضوا حوارها في أكثر من مناسبة، وكان إعلانهم مقاطعة الانتخابات البلدية أحد أهم معجلات رحيل الحكومة التي اتهموها بتهميشهم وإقصائهم. لذا جاء رفضهم المشاركة في حكومة الخصاونة بحصة محترمة، قيل إنها بلغت ستة مقاعد وزارية، مفاجئا حد الصدمة لمن كان يعتقد بضرورة هذه المشاركة التي تؤكد جدية التوجه الإصلاحي في البلاد.
ليعذرنا الإخوة و"الإخوان" في الاعتراف بخيبة الأمل إزاء هذا الموقف المحبط لكل من طالب بحقهم في المشاركة، وقد كنت من هؤلاء المطالبين حين تشرفت وزملائي بلقاء جلالة الملك في رمضان الماضي. وأذكر أن زميلي الدكتور محمد أبو رمان تحدث بهذا الأمر وتبعته في الحديث مؤيدا للحوار مع الحركة الإسلامية انطلاقا من إدراك حضورها المؤثر في الشارع، وأهمية التعاطي الإيجابي مع قيادة الحركة، والبحث عن القواسم المشتركة معها لدفع مسيرة الإصلاح وخلق بيئة مناسبة للإنجاز في السياق الإصلاحي.
يومها كانت لدينا حكومة تضع سقفا للحوار مع الإسلاميين، وترغب بإشراكهم في العملية السياسية بدون مشاركتهم في صنع القرار والتوجه الحكومي، وربما لهذه الأسباب كان رفضهم للحوار مبرَّرا. أما الآن ونحن على عتبة مرحلة تقودها حكومة جديدة تستحق على الأقل منحها فرصة لاختبار أدائها، فإن الرهان على قوة هذه الحكومة وعلى قدرتها السياسية والإدارية يضعف كثيرا بخلوها من وزراء قادمين من المعارضة.
ومهما يكن من أمر الاستنكاف ودوافعه فإنه بالقدر الذي يضعف الحكومة يجرد الحركة الإسلامية من حق انتقاد أداء حكومي كان متاحا لها أن تشارك في صياغته وتوجيهه.
تختار الحركة الإسلامية البقاء في الشارع، وتتجنب المشاركة في السلطة باعتبارها "ورطة" بحسب تعبير محلل إسلامي التوجه، وقد يكون ذلك صحيحا لأن حساب السرايا يختلف عن حساب القرايا، ولأن خطاب السلطة يختلف عن خطاب المعارضة، ولأن الوصول الى الدوار الرابع يعني الابتعاد عن دوار الداخلية وعن ساحة النخيل، ويعني أيضا فقدان جزء من الرصيد الشعبي للحركة.. إنها بالفعل ورطة، ولكن ألا يظن الإخوة أن هذا "التورط" واجب تجاه الدولة والمجتمع في مرحلة السعي لحل الأزمة بدلا من إدارتها؟
لا يستطيع أحد أن يفرض على الحركة الإسلامية قرارها، لكن هامش الحرية المتاح لنا، والذي يسمح بالاعتراض على الحكومات يجيز الاختلاف مع اجتهادات المعارضة سواء في الصف الإسلامي أو خارجه.