الحكواتي

أتساءل أحيانا وحين أجد نفسي وجها لوجه مع خطبة جمعة، وخطيب لا يدرك، وهو الخطيب الإمام، وأنا المواطن الساعي للإنصات وأداء الفرض والخروج بحكمة أو بمفردة أو بقراءة لحال الأمة، لا يدرك حتى حكمة الخطبة وجوهر وجودها كنداء جامع للمسلمين لتدارس أحوال الحياة وتطورات ما يحيط بهم من تحديات ويدركهم من مصائب وفتن.اضافة اعلان
أتساءل، ما الذي يريده الخطيب؟ اسأل من معي أحيانا ما الذي كان يتحدث فيه، وما الذي تذكره من الخطبة. تأتيك الإجابة مفاجِئة كل مرة ومفجعة "لا أتذكر شيئا مما قاله الخطيب رغم أنني كنت في قمة التركيز".
وجدت نفسي خجلا من نفسي، وأنا أهم بمغادرة الجمعة مرة حين ترك أحد الخطباء شؤون الدنيا المحيطة بنا؛ التطرف وأزمة الأخلاق ورفض الآخر وغياب الحوار وتمادي العنف وتقطع أوصال المجتمع الواحد واستشراء الفتن والجهل والابتعاد عن أسس الدين الصحيح السمح وغياب العدل والأخذ بـ (سفاسف) القضايا وشكلياتها والابتعاد عن الجوهر وغياب المضمون ومحاربة النجاح والابتعاد عن العلم والقيم وتفشي ظاهرة الفتاوى التي تضرب في جسد الأمة كالنار في الهشيم .. تركها كلها، ولجأ لرواية القصص التاريخية للأشخاص والأعلام دونما حكمة وبلا ترابط درامي يوصل أحداً إلى ذروة الحكاية ولا حتى لموعظة أو ذكرى تقع في النفس وتحفر في الوجدان.
اليوم وقد هاجت الدنيا بنا وماجت وانقلبت المنطقة رأسا على عقب وأصبحت الضبابية سيدة الموقف، أتساءل هل يمكن لخطابنا الديني وخصوصا من قبل (البعض) أن يكون خطابا موائما لمقتضيات الحوار مع جيل من الشباب.
هل خطاب بعض خطبائنا ودعاتنا وبعض أصحاب الفتاوى وبرامج القنوات الدينية يكفي اليوم للتأثير وتشكيل وجدان وقناعات أجيال مستفحلة في المعرفة والاطلاع ومستعدة لاستقبال الغث والسمين، المسموح والممنوع، الممكن والمستحيل.
أزمتنا مع الغرب الذي أباح لنفسه بداعي حرية الرأي والتعبير التعرض للإسلام والإساءة لصورته ولمكانة رسوله الكريم عليه السلام، أليست نتاج غياب الخطاب الديني العصري الحضاري الذي من شأنه أن يعيد إنتاج أجيال من الشباب قادرة على الدفاع عن دينها الحنيف وأن يؤسس لحوار حضاري علمي مقتدر مع مراكز صنع القرار الإعلامي والسياسي في العالم ومعاهد (التفكير) والبحث التي هي أساس العمل والمصدر الرئيس للمؤشرات والأرقام والحقائق.
نعود لأنفسنا، قبل أن نتحدث في حوارنا مع الغرب ومجابهته بالحجة وبالدليل والمنطق، هل تؤسس هذه العشوائية في خطبة الجمعة وبمضامينها لدى (البعض) إلى حوار أصلا بيننا نحن أبناء الأمة الواحدة، وتعزز فهمنا لضرورة الاختلاف الذي يثري والتعددية التي تعلي بنيان الأمة.
هل تواكب خطبة الجمعة عند ذات (البعض)، الأولويات التي يفرضها محيطك المحلي والدولي والتطورات الراهنة التي تعيشها أمتنا والتحديات التي تواجهنا في الأردن! إن القيمة المضافة لخطبة الجمعة على أي خطبة سياسية أو مناظرة أو حتى حديث تلفزيوني وكونها إحدى النسك أنها تضطلع بجملة آداب ليست لغيرها أهمها حسن الاستماع والانصات وعدم اللهو وهذا ما يعطيها مهابة في النفس ما يهيئها للاستماع والانتفاع.
إن خطبة الجمعة التي فرض الله على رسوله الكريم، هي الفسحة الفكرية والعلمية الوحيدة المتاحة اليوم لإنقاذ جيل كامل من الشباب من التدفق العشوائي الهائل للمعلومات الصحيحة والمغلوطة وللصور والأفلام المقبولة والإباحية وللقصص والنكت والأكاذيب والإشاعات والتشويهات، عبر منظومة لا أرى أن وجودها بهذا الشكل والتأثير مجرد صدفة او تطور تقني بنية حسنة.
فأين هذه الفسحة الكنز من السلبيات والعثرات والأخطاء والاساليب الباهتة والضحلة والقصص الهامشية والسطحية التي نسمعها على لسان بعض الخطباء، ما يمنع عنا النفع وعلى مجتمعنا عموم الفائدة والتغيير.
من أبسط حقوقنا أن نستمع لما يجد في نفوسنا وقعا وفي حياتنا نفعا وأثرا، لا أن نقضي الدقائق الثقيلة ونحن نتثاءب أثناء استماعنا لقصص حكواتي، يعزّ علينا أن يعتلي طُهر المكان وقدسية الفريضة.