من عاداتنا الأصيلة..جداً

نعم.. ليس من عاداتنا ولا تقاليدنا الأصيلة، هذا الفعل الشائن دخيل على مجتمعنا ولا يتواءم مع قيمنا وأعراف مجتمعنا.
تذكرت الكليشيه البائس الذي نفتتح به بياناتنا الرسمية وردودنا على أفعال نمارسها بأيدينا وبقرارنا الواعي وبإرادتنا الكاملة وممارسات نكررها في كل لحظة، ثم نرد وندافع بالتأكيد أن هذه الأفعال المرفوضة ليست من عاداتنا الأصيلة.اضافة اعلان
على خلفية سيارات التحقيق المروري التي تجوب شوارع عمان حاملة على خلفياتها معها شاشات حمراء تمر بها النصائح والتعبيرات الإرشادية والتحذيرات مرور الكرام أمام أعيننا، استوقفتني إحدى العبارات التي لمعت في عيني وأنا أتابع الشريط الإعلاني على خلفية إحدى تلك السيارات..
"التشحيط لا يعكس روح المواطنة"، هي إذن ذات الروح التي ندافع بها عن الممارسات الغبية والأخطاء الجسيمة بحق بعضنا بعضا وبحق البلد وعلى جثة المواطنين وخصوصياتهم والانتهاكات التي تأتي على سلامة الآخرين وسير حياتهم، وندعي أن هذا الفاعل لا ينتمي لمجتمع التقاليد الأصيلة والقيم النبيلة التي تربينا عليها.
ألم نتربّ على حق الجار والرسول عليه السلام الذي أوصى بسابع جار، فلم نضرب بهذه التربية (كلنا) عرض الحائط حين تصطدم مصلحة لنا مع جار أو صديق.
ألم نتعلم طوال أعمارنا في سنين المدارس أهمية صلة الرحم والتواصل والأسرة والأخ الذي لا يعوض ورضا الوالدين، فكيف ونحن نتابع في أروقة القضاء كل يوم الأخ الذي يقاضيه أخوه بشأن مال أو عقار، أو حتى أولئك الذين يمارسون قطيعة سنين ولا يلتقون إلا في بيت عزاء أو جاهة.
المعلم الذي جبلنا على أن نقف له ونوفه التبجيلا، لأنه كاد أن يكون رسولا، لماذا نعتدي عليه (في الطالع والنازل) ونكسر هيبته ثم نقول "من علمني حرفا"، ونضيف هذه الممارسة لا تتفق وقيمنا النبيلة.
الحكيم الذي لم نعرفه إلا باسم الحكمة، نعتدي عليه في الطوارئ، نقتله على باب منزله، لأنه لم يزودنا بما نرغب من أدوية أو تقارير طبية، نبرحه ضربا في المستشفيات وأقسام الإسعاف، لأنه لا يأتي لنا بأخبار جيدة عمن نحب، نفقد أعصابنا فننزل به ضربا، ونتذكر أن هذا ليس منا أبدا.
ما الذي منا إذن ونحن الذين لم نعرف في تاريخنا إلا العنف و(الكشرة) والإدرنالين الذي هو في أعلى مستوياته؟! أي رضا والدين ونحن نخاطب أبانا وأمنا اللذان تعلمنا أن لا نقول لهما أف ولا ننهرهما بـ(يا زلمة) و(يا مرة خلصينا).
صلة الرحم! من منا في مدينة واحدة حرص على التواصل على أبواب رمضان مع أخيه الذي اختلف معه على إرث أو حتى على مباراة بين برشلونة وريال.. آه صلة رحم!
ألسنا نحن من نكرر المرأة أمنا وأختنا وزوجتنا وبنتنا.. ودائما جاهزون بـ"رفقا بالقوارير" وعند أول تقاطع مع قضية إرث، نخلع كل هذه القناعات الزائفة ونخرج على طورنا ونردد معا بشكل جماعي نحن الذكور "البنت ما ترث".
لا تتفق هذه السلوكيات مع مبادئ ديننا الحنيف.. أيضا الجملة دائمة الجاهزية والتردد في الجلسات واللقاءات، لكن نمارسها ونعود لممارستها في كل مناسبة.
إذن (التشحيط لا يعكس المواطنة)..؟؟
ما الذي يعكس المواطنة هتافات المباريات وشتائم التزاحم عند الدوار الثامن إشارات الإساءة المتعمدة.. هل من المواطنة أن نسكت عن مئات المراهقين الذين يمضون ساعات يومهم أمام مدارس البنات فيتحرشوا بغباء بدون رادع.
من تقاليدنا الأصيلة أن نغلق شارعا نافذا لإقامة صيوان لعرس نجلنا أو بيت عزاء للمرحوم، وعلى المتضررين أن يصبروا ويغيروا طريقهم، ومن تقاليدنا أن نقيم كشك قهوة والبسطة على مدخل الشارع ونعتدي على خصوصيات الناس.. ثم ما تمت إزالة.. نقول "الحكومة تحاربنا بأرزاقنا".
الصحيح، كل هذا مرفوض ولا يمت لتقاليدنا وقيمنا النبيلة والأصيلة بشيء، يبدو أن تقاليدنا الأصيلة تغيرت وأصبحت هذه الأفعال هي نفسها.. تقاليدنا النبيلة.