هل أخفقت الخطط الحكومية بمواجهة التغيرات المناخية؟

أشجار متكسرة جراء المنخفض القطبي الأخير-(الغد)
أشجار متكسرة جراء المنخفض القطبي الأخير-(الغد)

فرح عطيات

عمان - ما تزال الجهات الحكومية المختلفة "غير قادرة على التكيف مع تبعات التغيرات المناخية التي تشهدها المملكة، مثل الفيضانات، وتدني درجات الحرارة في فصل الشتاء، وارتفاعها صيفاً، والتي أصبحت أكثر تطرفاً وحدة من السنوات الماضية"، وفق مختصين في شأن المناخ، والطاقة، والزراعة، والمياه، والهندسة.

اضافة اعلان


وفي كل مرة، تكشف الظروف الجوية التي تتعرض لها المملكة، وفق قولهم، بـأن "ما يطلق من خطط وإستراتيجيات للتكيف مع التغيرات المناخية، على صعيد القطاعات المختلفة، والتي ترافقها سياسات لإدارة المخاطر الناجمة عن الكوارث، لا تعدو كونها حبراً على ورق".


بيد أن مدير التغير المناخي في وزارة البيئة بلال الشقارين أكد أن "تبعات التغيرات المناخية ستزيد وتيرتها وحدتها عاماً بعد عام، لذلك نحن في المملكة لم ندخل بعد في عمق المشكلة الحقيقية لهذه التأثيرات".


ولفت، في تصريحات لـ"الغد" الى أن "الحكومة تعمل حاليا على قدم وساق لإعداد الخطط والبرامج من أجل التكيف مع تبعات التغيرات المقبلة التي ستصل الى مرحلة قد تكون كارثية مستقبلاً، الا أننا نأمل ألا نصل لها".


ومن أجل تلك الغاية "أعدت الوزارة خطة للتكيف مع التغير المناخي أخيراً، تتضمن البرامج التي ستنفذ في القطاعات الأكثر تأثراً بهذه التبعات، ومن أهمها قطاع المياه"، وفقه.


ولا يقتصر الأمر على ذلك، إذ يضيف: "بل تم إدراج التكيف ضمن خطة المساهمات المحددة وطنياً المحدثة، في وقت تم وضع قطاع المياه على رأس أولويات العمل في هذا المجال، ابتداء من تأهيل البنى التحتية، وتنفيذ مشروع في محافظتي إربد والمفرق لرفع وعي الأفراد بحصاد مياه الأمطار التي تتساقط على أسطح المنازل، مع تأهيل محطات التنقية".


وفيما يتعلق بالتعامل مع الفيضانات والأمطار الوميضية، أشار الشقارين الى أن "هنالك تنسيقا، وتعاونا يتمان حالياً مع عدة جهات محلية، ودولية للخروج بخريطة مؤسسية توضح مواقع وأوقات، وكيفية تكون الفيضانات".


وتهدف تلك الخطوة، بحسبه "الى حماية المواطنين، ولتفادي حدوث الخسائر المادية، وانجرافات التربة التي تحتاج الى سنوات طويلة من أجل إعادة تأهيلها قد تصل إلى 30 عاماً، فضلاً عن الاستفادة من الأمطار الوميضية التي تتساقط على المملكة، بحيث يتم حصادها، والاستفادة منها، وعدم ذهابها هدراً".


وفيما يتعلق بالقطاع الزراعي، شدد على أن "الوزارة تعمل مع الجهات الحكومية المعنية لتطوير العديد من الأنظمة والتعليمات المتعلقة بالملف الزراعي، والزراعات الذكية مناخياً، وصولاً الى تعزيز مبدأ الأمن الغذائي".


في المقابل، يرى نائب نقيب المهندسين المهندس فوزي مسعد فإن "الجهات المعنية في الأردن ما تزال غير مستعدة بالقدر الكافي للتعامل مع تبعات التغيرات المناخية، من فيضانات، وتكرار في موجات الجفاف، والصقيع، وغيرها".


ولفت، في تصريحات لـ" الغد" الى أن "الاستعدادات التي تتخذها الجهات المعنية تكون بشكل آنيّ وبحسب الظروف التي تتعرض لها المملكة، لكنها لا تستمر على المدى الطويل".


وهذا، بحد قوله، "ما ينطبق على انقطاعات الكهرباء التي شهدتها المملكة أثناء الظروف الجوية الحالية، حيث كانت شركة الكهرباء اتخذت سابقاً بعض الاستعدادت للتعامل مع مثل هذه الحالات الجوية في فصل الشتاء، لكنها أغفلتها جميعاً عندما لم تعد تشهد المملكة أي تساقط للثلوج".


وذلك الأمر "تسبب بتكرار حوادث انقطاع الكهرباء خلال الظروف الجوية التي شهدتها المملكة الأيام الماضية، والتي لم يتم التعامل معها بالشكل الصحيح من قبل الشركة المعنية".


وبين أن "المملكة تفتقر لوجود خطط شاملة تتعلق بآلية تصريف مياه الأمطار الغزيرة، والاستدلال على الكميات المتوقعة على المدى البعيد، اذ إن كافة الحلول المتخذة آنية، ولا يتم الأخذ بعين الاعتبار ما يمكن أن يحدث مستقبلاً".


وأضاف أن "تطوير البنى التحتية في المملكة لتكون قادرة على التكيف مع التغيرات المناخية، أمر يتطلب تكاليف مالية عالية، لكن من الممكن تحسين شبكات الكهرباء، وتصريف مياه الأمطار، وغيرها لتخفيف من تلك الآثار".


ومن وجهة نظر الخبيرة في الشأن المناخي صفاء الجيوسي فإن "سياسات التكيف في المملكة لا تُطبق بشكل فعلي وعلى أرض الواقع، كما أنه لا يوجد أي تنسيق بين الجهات وفي مختلف القطاعات الأكثر عرضة لتأثيرات التغيرات المناخية".


"ففي كل مرة وخلال موسمي الصيف والشتاء نشهد العديد من الظواهر المتطرفة في الطقس، والتي تتوقف معها أشكال الحياة المختلفة في المملكة، كما حدث خلال اليومين الماضيين، والذي يعد أمراً غير مقبول، إذ آن الأوان للتأقلم والتكيف مع التغير المناخي، سواء عبر تطوير منعة البنية التحتية، أو أخذ الاستعدادات المختلفة في كافة القطاعات المتأثرة"، تبعا لها.


وشددت على أن "التغيرات المناخية لم تعد مفاجئة، والحكومة تمتلك المعطيات، وتتوفر لديها السيناريوهات لما يحصل، وسيحصل خلال الفترات المقبلة، من تداعيات للتغيرات المناخية".


ورغم أن "الوفود الحكومية تشارك في المؤتمرات الدولية المتعلقة بالمناخ، وتتحدث عن تداعياتها على الأردن، الا أننا نكتشف وفي كل موسم أن مدننا هشة، ولا تستطيع التعامل مع التغييرات المتوقعة، ابتداء من الأزمات الخانقة في الشوارع، الى شح المياه، وحدوث الانجمادات، وتراكم الثلوج، وبما يؤثر سلباً على سبل معيشة المواطن، وحياته اليومية"، وفق الجيوسي.


وأكدت أن "الحكومة عليها تحمل مسؤولياتها بجدية فيما يتعلق بتطبيق الخطط والسيناريوهات المتعلقة بالتكيف مع التغير المناخي، ومحاسبة المقصرين عن أي خسائر بشرية ومادية قد تنتج".


وعلى صعيد القطاع الزراعي، أكد مدير عام اتحاد المزارعين محمود العوران أن "مواجهة التغيرات المناخية وتبعاتها القاسية على القطاع الزراعي، تتم من خلال البحث العلمي، للاستدلال على الأصناف التي تجب زراعتها لتتواءم مع كافة الظروف الجوية، سواء من انخفاض أو ارتفاع درجات الحرارة".


وهذا يتطلب، في رأيه، "تفعيل المراكز البحثية المختلفة في الأردن، والاستفادة منها في إنجاز الأبحاث العلمية المتعلقة بالتغيرات المناخية والتكيف معها في القطاع الزراعي".


ولفت لـ"الغد" الى أن "الآثار السلبية الناجمة عن المنخفض الجوي الحالي الذي تشهده المملكة ستتكشف خلال الأيام المقبلة، في ظل ارتفاع أعداد نفوق صغار وأمهات الماشية، الى جانب انهدام "براكسات الدجاج" نتيجة تراكم الثلوج، وتكسر العديد من أشجار الحمضيات".


وحول الإجراءات المتخذة على صعيد التكيف مع تأثيرات التغير المناخي على قطاع المياه، أكد أستاذ علوم المياه الجوفية وكيمياء المياه في الجامعة الأردنية د. إلياس سلامة أنه "لا توجد أي خطط للتصدي للتغيرات المناخية تم تنفيذها على أرض الواقع من قبل الجهات المعنية، رغم التصريحات الرسمية التي صدرت وتصدر عن الحكومة".


فالأردن، بحسبه، "يعاني من شح في موارده المائية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ولم يتم اتخاذ أي إجراءات حقيقية للتعامل مع هذه الأزمة لغاية الآن".


وأضاف أن "توفر الإرادة الحقيقة لدى صناع القرار لإحداث التغيير المطلوب شرط أسياسي لنجاحنا في التعامل مع تداعيات التغير المناخي، الى جانب الاستعانة بالخبراء الأكفاء والقدامى العاملين في هذا الشأن، وليس من يدعون الخبرة في مجال المناخ".


وفي قطاع الطاقة لا يختلف الأمر كثيراً؛ إذ بين رئيس مجلس إدارة جمعية إدامة للطاقة والمياه والبيئة د. دريد محاسنة أن" الحكومة تُعاقب من يرغب في شراء واستخدام السيارات الكهربائية الصديقة للبيئة، عبر فرض رسوم مرتفعة عليها، تقدر بنحو 10 %، بحيث تتناسى الجهات المعنية التزاماتها بشأن اتفاق باريس، وتُنظر الى كيفية رفد خزينتها بالاموال وعلى حساب المناخ".


وأشار الى أن "التعرفة الجديدة للكهرباء التي وضعتها الحكومة أيضاً تعد نوعاً من العقاب الذي سيطال كذلك المواطنين الراغبين باستخدام الطاقة المتجددة في منازلهم".


وبين أن "القطاع العام هو المسيطر على مشاريع المياه، سواء تلك المتعلقة بالتحلية، أو لدى البحث عن المصادر الجديدة، حيث إن الحكومة لا تسمح للقطاع الخاص بالاستثمار في هذا المجال".


ولفت الى أن "مياه البحر الميت تتلاشى سنوياً وأمام أعين الجهات المعنية، دون قيامها بأي إجراءات لإنقاذه، ومن خلال التقدم لصناديق المناخ الدولية من أجل الحصول على تمويل لتنفيذ مشروعات في هذا الصدد".

إقرأ المزيد :