هل ستنافس عملة الصين العملات العالمية الرئيسية؟

كشفت الأزمة المالية العالمية وتطوراتها مأزق ما يعرف بـ"دوامة الدولار" الذي تقع فيه الصين. فالصادرات الصينية تعاني بسبب تراجع الطلب من قبل أكبر مستهلكين لبضائعها -الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا- كما أن واقع أنها أكبر مستثمر في السندات السيادية، ولا سيما الأميركية، قد زاد من ثقل المخاطر المحدقة بها، من هنا، يرى الصينيون في تدويل عملتهم خياراً للخروج من هذا المأزق.اضافة اعلان
إن رغبة الصين في تدويل عملتها قد ظهرت عقب اندلاع الأزمة مباشرة، منذ أن طالبت في اجتماع مجموعة العشرين في العام 2008 بنظام مالي جديد، وصولاً الى مطالبتها اليوم بأن يكون لليوان وزن أكبر في سلة العملات التي تحدد قيمة حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي. منذ ذلك الحين، بات هدف البنك المركزي الصيني واضحاً: وهو خفض انكشافه على الدولار الأميركي بعدما راكم احتياطات خيالية بالعملة الخضراء.
كما أن خيار تدويل العملة يمثل حلاً وسطياً بين صناع القرار والإصلاحيين في الصين. فالنموذج الاقتصادي الصيني القائم الذي يعتمد بشكل أساسي على الفائض الهائل في الميزان التجاري، قد أخذ حيزاً واسعاً من النقاش بين واضعي السياسات في الصين والإصلاحيين الذين يدعون الى خفض الاعتماد على الصادرات وتعزيز الطلب المحلي على حساب الطلب الخارجي. ومن هنا، يتفق الطرفان على أن تدويل اليوان قد يشكل مدخلاً للافتتاح الاقتصادي.
ويمكن بالفعل قراءة مؤشرات الرغبة الصينية هذه مباشرة في الارتفاعات الحادة التي شهدتها كل من التداولات التجارية باليوان الصيني على الساحة العالمية والودائع بالعملة المحلية في الجهاز المصرفي الصيني، ولا سيما في هونغ كونغ.
في رأيي، الصين ما تزال في مرحلة تقييم للتداعيات المتوقعة لهكذا خطوة على اقتصادها، أو الأصح على نموذجها الاقتصادي، فمن جهة، يدرك صناع القرار حجم المخاطر الهائلة التي تواجه الاقتصاد الصيني في حال استمر الوضع على ما هو عليه، لا سيما وأن النمو الصيني قد تضرر كثيراً من الركود الذي أصاب الاقتصادات المتقدمة عقب الأزمة. ومن جهة ثانية، ما يريده الصينيون اليوم هو الحفاظ على حجم صادراتهم، وبالتالي الإبقاء على سعر صرف منخفض، وفي الوقت نفسه تحفيز الطلب المحلي، وهو ما يستدعي ارتفاع سعر الصرف لتعزيز القدرة الشرائية لدى المواطنين.
وبالتالي، وجد الصينيون أنفسهم أمام معضلة جديدة أوقعهم فيها نموذجهم الاقتصادي، ومن هذا المنطلق، يمكن فهم ما أقامه الصينيون في هونغ كونغ، حين سمحت الصين لعدد من مقاطعاتها اعتماد اليوان في تداولاتها التجارية مع هونغ كونغ، وذلك في تجربة لتقييم نتائج تدويل العملة. لكن النتيجة جاءت على عكس ما يشتهي الصينيون؛ إذ ارتفعت احتياطات البنك المركزي من الدولار بدلاً من تراجعها.ما حصل في الواقع أنه بات لليوان سوقان موازيان؛ الأول في الصين (المركز) حيث تتحكم السلطات بسعر صرفه، والثاني  في هونغ كونغ ذات قيمة أعلى نتيجة الطلب المرتفع عليه من قبل المضاربين. وفيما اتجه الموردون نحو هونغ كونغ للاستفادة من ارتفاع سعر صرف اليوان هناك (وهو ما يبرر ارتفاع الودائع باليوان في هونغ كونغ)، واصل المصدرون شراء اليوان من البنك المركزي الصيني (المركز) للاستفادة من سعر صرفه المنخفض.وأمام هذه النتائج، يتريث الصينيون قبل المضي قدماً في تدويل عملتهم، لكنهم لن يتراجعوا عن قرار الحد من انكشافهم على الدولار ومخاطر التقلبات العالمية. باختصار، الصين في حاجة لأن ترى اليوان متداولاً على الساحة العالمية، لكنها في الوقت نفسه، لن تتخلى عن نموذجها الاقتصادي القائم، وفي النتيجة، ما تزال أمام اليوان مسافة ليست بقصيرة قبل أن ينافس العملات الرئيسية، وبالتأكيد لن يستبدل الدولار في المستقبل المنظور.

alghad.jo@