الاستقلال في المئوية الثانية.. الانتقال الكبير نحو التحديث والتنمية

د. حسن عبدالله الدعجة
د. حسن عبدالله الدعجة
تعد الثورة العربية الكبرى من الأحداث المفصلية في تاريخ العرب الحديث، حيث جاءت كحركة نضالية ضد الحكم العثماني بهدف تحقيق استقلال وحرية الشعوب العربية، حيث قاد الشريف حسين بن علي، شريف مكة، هذه الثورة بمساعدة أبنائه، ومن بينهم الأمير عبدالله بن الحسين، الذي لعب دورا محوريا في قيادة الحركة الوطنية والسعي نحو تحقيق الاستقلال للأراضي العربية، حيث عاش العرب تحت الحكم العثماني بعد تحوله من خلافة إسلامية إلى دولة علمانية. ومع تزايد الضغوط والاضطهاد من قبل الحكم التركي، بدأت تنمو رغبة الشعوب العربية في التحرر وتحقيق الاستقلال. جاءت الثورة العربية الكبرى في عام 1916 كاستجابة لهذه الرغبات، حيث أعلن الشريف حسين بن علي الثورة في مكة بدعم من بريطانيا التي وعدت العرب بالاستقلال إذا وقفوا إلى جانبها ضد الاتراك.اضافة اعلان
فالثورة العربية الكبرى لم تكن مجرد حركة نضالية محدودة، بل كانت بداية لمرحلة جديدة في تاريخ العرب. أسست لفكرة القومية العربية وأكدت على أهمية الوحدة والتضامن بين الشعوب العربية. وجهود الأمير عبدالله بن الحسين كانت جزءاً لا يتجزأ من هذه الحركة، حيث أسهمت في وضع أسس الدولة الأردنية الحديثة وفي تعزيز فكرة الاستقلال والسيادة.
ولعب الأمير عبدالله بن الحسين، الابن الثاني للشريف حسين، دورا بارزا في الثورة العربية الكبرى، وتولى قيادة القوات العربية في شمال الحجاز وانتقل إلى الأردن، حيث بدأ في تنظيم الحركة الوطنية هناك، وبفضل مهاراته القيادية ورؤيته السياسية، استطاع الأمير عبدالله كسب تأييد القبائل المحلية والقوى الوطنية، مما ساهم في تعزيز موقف الثورة.
كما كان لجهود الأمير عبدالله في تحقيق الاستقلال وهزيمة الأتراك، حيث بدأت تتبلور ملامح الاستقلال في الأراضي العربية،  وفي عام 1921 أسس الأمير عبدالله إمارة شرق الأردن بمساندة الوطنيين العرب والأردنيين، حيث تم الاعتراف بها ككيان سياسي مستقل تحت الانتداب البريطاني. وعمل الأمير عبدالله بجد ومثابرة على بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الاستقرار في الأردن، كما سعى إلى تحقيق الوحدة بين مختلف القبائل والجماعات السكانية في الأردن، مما ساعد على تحقيق تماسك اجتماعي وسياسي.
كما واجه الأمير عبدالله تحديات كبيرة في سبيل تحقيق الاستقلال وبناء الدولة، فكانت المنطقة تعاني من اضطرابات داخلية وصراعات قبلية، بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، استطاع الأمير عبدالله بفضل حكمته السياسية وقيادته الحكيمة، أن يحقق العديد من الإنجازات. من بين هذه الإنجازات، تأسيس الجيش العربي، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز التعليم والخدمات الصحية.
ثم  تولى الملك طلال بن عبد الله العرش في عام 1951، بعد استشهاد الملك المؤسس. ورغم قصر فترة حكمه التي استمرت حتى عام 1952، ترك الملك طلال بصمة مهمة في تعزيز استقلال الأردن، وهي تعد من أهم إنجازاته اعتماد الدستور الجديد في عام 1952، الذي عزز المبادئ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والفصل بين السلطات. هذا الدستور وضع أساساً قانونياً قوياً للمملكة وساهم في تعزيز سيادة القانون والاستقرار السياسي.
تولى الملك الحسين بن طلال العرش بعد والده في عام 1952، وحكم الأردن لأكثر من أربعة عقود حتى وفاته في عام 1999، ولعب الملك الحسين دوراً بارزاً في تعزيز استقلال الأردن وتطويره على مختلف الأصعدة، فقام بتحديث الجيش وتعزيز قدراته، مما ساهم في حماية الاستقلال الوطني، كما ركز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبناء بنية تحتية قوي، وفي السياسة الخارجية، عمل الملك الحسين على تعزيز علاقات الأردن الدولية وتوطيد السلام في المنطقة.
ومنذ تولى الملك عبدالله الثاني بن الحسين عرش المملكة الأردنية الهاشمية في 7 فبراير 1999 بعد وفاة والده الملك الحسين بن طلال، عمل الملك عبدالله الثاني على تعزيز استقلال الأردن وبناء دولة حديثة تتماشى مع التحديات العالمية والإقليمية، ونستعرض بعضا منها تاليا:
1. تعزيز الاستقرار السياسي والإصلاحات السياسية: عمل الملك عبدالله الثاني على تنفيذ سلسلة من الإصلاحات السياسية التي تهدف إلى تعزيز الديمقراطية والمشاركة الشعبية. هذه الإصلاحات تضمنت تعديل الدستور، وتعزيز دور البرلمان، وتوسيع صلاحيات السلطة التشريعية.
2. الانتخابات النيابية: دعم الملك عبدالله الثاني تنظيم انتخابات نيابية نزيهة وشفافة، مما يعزز من شرعية المؤسسات الديمقراطية ويزيد من ثقة المواطنين في النظام السياسي.
3. التنمية الاقتصادية والإصلاحات الاقتصادية: أطلق الملك عبدالله الثاني العديد من المبادرات الاقتصادية بهدف تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين معيشة المواطنين. شملت هذه المبادرات تطوير البنية التحتية، وتشجيع الاستثمار، وتبني سياسات اقتصادية متوازنة.
4. التنمية المستدامة: وضع الملك عبدالله الثاني رؤية اقتصادية شاملة تحت عنوان «الأردن 2025»، تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال التركيز على قطاعات التعليم، والصحة، والطاقة، والنقل.
5. التعليم والتكنولوجيا وتحديثه: أدرك الملك عبدالله الثاني أهمية التعليم في بناء مستقبل مشرق للأردن. لذا، عمل على تطوير النظام التعليمي من خلال تبني مناهج حديثة، وتحسين البنية التحتية للمدارس، وتدريب المعلمين.
6. الابتكار والتكنولوجيا: دعم الملك عبدالله الثاني الابتكار والتكنولوجيا كركائز أساسية للتنمية. شجع على إقامة مشاريع التكنولوجيا والشركات الناشئة، وسعى إلى دمج التكنولوجيا في مختلف القطاعات لتعزيز الكفاءة والإنتاجية.
7. تعزيز العلاقات الدولية والدبلوماسية النشطة: قاد الملك عبدالله الثاني جهوداً دبلوماسية نشطة لتعزيز علاقات الأردن مع مختلف دول العالم. سعى إلى تعزيز التعاون الدولي والإقليمي في مجالات الاقتصاد، والأمن، والسياسة.
8. دور الأردن في السلام: لعب الملك عبدالله الثاني دوراً محورياً في تعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة، بما في ذلك جهود الوساطة في النزاعات الإقليمية وتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان.
9. الأمن والدفاع وتحديث القوات المسلحة: عمل الملك عبدالله الثاني على تحديث وتطوير القوات المسلحة الأردنية لتعزيز قدرتها على حماية الاستقلال الوطني والتصدي للتحديات الأمنية.
10. مكافحة الإرهاب: أطلق الملك عبدالله الثاني العديد من المبادرات لمكافحة الإرهاب والتطرف، مشدداً على أهمية التعاون الدولي في مواجهة هذه التهديدات.
11. حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية وتمكين المرأة والشباب: دعم الملك عبدالله الثاني تمكين المرأة والشباب من خلال تبني سياسات تشجع مشاركتهم الفعالة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
12. حقوق الإنسان: عمل على تعزيز حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة من خلال دعم التشريعات والسياسات التي تضمن المساواة والعدالة الاجتماعية.
ومنذ توليه العرش، لعب الملك عبدالله الثاني دوراً محورياً في تعزيز استقلال الأردن من خلال سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وجهوده في تحديث التعليم، وتعزيز الابتكار، وتطوير العلاقات الدولية، وتحديث القوات المسلحة، إلى جانب دعمه لحقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية، كلها عوامل أسهمت في بناء دولة حديثة مستقلة وقادرة على مواجهة التحديات المستقبلية، وتظل هذه الإنجازات شاهدة على رؤية الملك عبدالله الثاني الحكيمة والطموحة لمستقبل الأردن.
*استاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة الحسين بن طلال