مركز الأردن المالي الدولي

د.حيدر المجالي
د.حيدر المجالي
المركز المالي الدولي هو مصطلح يشير إلى منطقة تتمتع بتشريعات وإجراءات مالية متقدمة وتوفر بنية تحتية متطورة لتسهيل الأعمال المالية العالمية. يتميز المركز المالي الدولي بقدرته على استقطاب الاستثمارات الدولية وبتوفير الخدمات المالية المتنوعة وبتوفير بنية تحتية قوية للأعمال وبتنظيم قوي للأسواق المالية والخدمات المالية المتقدمة. ويعتبر المركز المالي كمنطقة حرة مالية توفر مزايا مالية وضريبية لتجذب الشركات والمستثمرين.اضافة اعلان
أن إنشاء مركز مالي ناجح يتطلب التزاما طويل الأمد وتكيفا مع ظروف السوق المتغيرة وتعاون الجهات المعنية لأن نجاح أي مركز مالي هو نتاج لتكامل متعدد الجوانب بين العوامل الاقتصادية والسياسية والجغرافية والتنظيمية والتكنولوجية. وتكمن فوائد المراكز المالية الدولية في تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل وتعزيز التجارة الدولية وتنويع قاعدة الاقتصاد وستخلق المراكز المالية أيضا بيئة تجارية واستثمارية ملائمة تجذب رؤوس الأموال والاستثمارات العالمية للدولة. وتوفر هذه المراكز مناخًا قانونيًا مستقلا داخل الدولة ومسارا تنظيميًا مستقرا للأعمال لممارسة الأنشطة المالية بسهولة بدعم من بنية تحتية متطورة وتكنولوجيا متقدمة.  وعادة ما تشهد المراكز المالية عددا من الانشطة الاقتصادية كالمشاركة في الصناديق الاستثمارية أو الشركات الناشئة والابتكارية أو العقارات التجارية أو أنشطة القطاع المالي والبنوك أو الطاقة المتجددة وغيرها من الأنشطة لكن وبالرغم من هذا الاندفاع للتطور يجب الانتباه إلى مسألة المخاطر المالية وآثارها الاقتصادية بحيث يكون المركز المالي على دراية بالمخاطر المالية المحتملة ويكون قادرا على تحليلها وإدارتها بشكل فعال ليتم تطوير سياسات وإجراءات لإدارة المخاطر ووضع إستراتيجيات للتعامل معها مع البقاء على اطلاع كامل على التعليمات واللوائح المالية المحلية والدولية ومتطلبات الامتثال كتنفيذ الإجراءات المناسبة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتهريب العمله.  
اما عناصر نجاح المركز المالي الدولي فتضم عدة جوانب، اولا التواجد الدولي للبنوك العالمية والمؤسسات المالية الكبرى ورغبتها في العمل. ثانيا وجود أسواق مالية قوية ومتطورة كبورصات الأوراق المالية والسلع والمواد الثمينة. ثالثا الصيرفة الاستثمارية وانشطتها الجذابة. رابعا استقطاب الأعمال والاستثمارات من خلال منظومة ضريبية مواتية واعفاءات وحوافز تشجيعية. خامسا توفر الخدمات المالية المتقدمة مثل التداول عبر الإنترنت، والتحويلات البنكية السريعة والعملات الإلكترونية (الديجيتال). اما بخصوص المقترح المطروح أمامنا والداعي إلى تأسيس مركز مالي دولي في الأردن فالفكرة طموحة ومشروعة وقابلة للتطبيق وتتوفر فيها عناصر النجاح والازدهار خاصة وان الأردن يتمتع بتاريخ طويل من الخبرة في قطاع الخدمات المالية ويضم العديد من المؤسسات المالية والبنوك العالمية والإقليمية وينعم بسياسة مالية ونقدية ممتازة وتصنيف ائتماني جيد ويمتلك العديد من المزايا التي تؤهله ليكون وجهة مالية مرغوبة. ويعتبر الأردن موقعا مثاليا لتأسيس مركز مالي دولي لما يتمتع به من مزايا مثل الموقع الجغرافي  والاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني وتنوع الاقتصاد ومتانته ووجود قوانين ولوائح مالية متطورة وشفافية النظام المصرفي الأردني وتبنية المعايير الدولية في الإدارة المالية والرقابة وإمكانية إعادة تصديرالأرباح والأموال بسهولة.
ان فكرة تطوير الأردن كمركز مالي دولي خطوة مهمة لنقل الأردن مستقبلا إلى مستوى اقتصادي متقدم. ولتنفيذ الفكرة هنالك إجراءات يجب اتخاذها على الصعيد الوطني. اولا. تعزيز البنية التحتية المالية وتوفير مكاتب حديثة ومرافق متكاملة للعمليات المالية. ثانيا. تطوير القوانين واللوائح المالية لتتوافق مع المعايير الدولية والعالمية للحد من البيروقراطية الحكومية، وتبسيط الإجراءات التنظيمية، وتحسين بيئة الأعمال. ثالثا. تعزيز التعاون الدولي مع البنوك والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية وتطوير شراكات استراتيجية معها لتبادل المعرفة والخبرات وتعزيز رأس المال البشري وتدريب الكوادر المالية. رابعا. تشجيع التكنولوجيا المالية (الفِنْتِكْ) ووسائل الابتكار المالي  الحديثة كتطوير حلول مبتكرة للدفع الإلكتروني والتمويل الرقمي والاستخدام الواسع لتقنيات الذكاء الاصطناعي والبلوكتشين والدفع الرقمي. خامسا. جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة  وتبسيط الإجراءات وتقديم التسهيلات المالية والضريبية. سادسا. الانفتاح على الاقتصاد العالمي ودعم الاندماج في القطاع المالي وتفعيل اتفاقيات تجنب الازدواج الضريبي لجعل المركز المالي جاذبًا للشركات الدولية. سابعا. توفير الخدمات المالية المتنوعة  كالتأمين واعادة التامين وصناديق الاستثمار وإدارة الثروات لجذب مختلف أنواع الشركات المالية والمستثمرين.
ان تأثير المركز المالي الدولي على الاقتصاد يعتمد على حجم المركز وقوته التنافسية، وتنظيمه القانوني والمؤسساتي، والاستثمارات المرتبطة به، والسياسات الحكومية المتبعة فيه حيث تلعب هذه المراكز دورا مهما في اقتصاديات الدول والعالم بحيث تقوم بما يلي: اولا. تمويل النشاط الاقتصادي وتوفير التشريعات والتنظيمات المالية المتقدمة كمراكز التحكيم المتخصصة والمحاكم الاستثمارية ومراكز التصالح المتخصصة. ثانيا. توفير البنية التحتية المتطورة كالشبكات المصرفية والتكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية. ثالثا. وجود التنوع والتكامل المالي والخدمات المالية في مكان واحد. رابعا. الابتكار المالي وتطوير الأدوات المالية الجديدة كتشجيع البنوك والشركات المالية على تطوير حلول مالية مبتكرة لتلبية الاحتياجات المالية المتغيرة وتعزيز الكفاءة الاقتصادية. خامسا. توفير الخدمات المصرفية العالمية مثل الودائع، والتمويل، والتمويل العقاري، والتمويل التجاري، والعمليات النقدية، والخدمات المصرفية عبر الإنترنت والهواتف المحمولة. سادسا. تشجيع الاستثمار والتداول العالمي على السلع والخدمات الدولية. سابعا. توفر الخدمات المالية غير المصرفية مثل التأمين، وإعادة التأمين وادارة الثروات. ثامنا. الابتكار التكنولوجي والتقني واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات والتعلم الآلي والتشفير. هذه المحفزات للاقتصاد بشكل عام اما فيما يتعلق بالاقتصاد المحلي فيظهر هذا التأثير جليا في تطويرالبنية التحتية المالية والتكنولوجية وتطوير الأسواق المالية وجذب الاستثمارات الأجنبية وجذب المؤسسات المالية العالمية وزيادة الإيرادات الضريبية والجذب السياحي. من جهة اخرى يساهم المركز المالي الدولي في تنمية قطاعات أخرى في الدولة كالتوسع في انشطة الخدمات المهنية وانشطة بيع وشراء العقارات ومراكز التدريب المالي وغيرها.
في الختام، ان المراكز المالية الدولية إضافة نوعية للدول ولاقتصادياتها ولاهميتها فقد أوجد المجتمع الدولي مظلة تجمعها باسم التحالف العالمي للمراكز المالية الدولية الذي يهدف الى تعزيز التعاون بين هذه المراكز والتنسيق لتطويرادائها المهني والاحترافي.
 اما على الصعيد المحلي فان فكرة تأسيس مركز مالي في الأردن فكرة جذابة ستسهم في تحسين الاداء الاقتصادي الأردني وستنعكس أثارها على مؤشرات النمو الاقتصادي ومعدلات البطالة وتوفير فرص العمل الجذابة وستسهل استقطاب كبرى الشركات والمؤسسات المالية الدولية ليكون لها نصيب في الأنشطة المالية المتوقعة في المنطقة في المستقبل القريب كأعمال إعادة إعمار العراق وسورية وغيرها من الانشطة بحيث تدار هذه العمليات المالية والاقتصادية من المركز المالي الدولي الأردني والذي سيدر على الخزينة العامة أرباح ورسوم وضرائب وسيسهم في إحداث التنمية المستدامة في الأردن تلبية لطموحات جلالة الملك وسمو ولي العهد بنقل الاقتصاد الأردني إلى مراحل متقدمة وتمكينة من أداء دوره بالشكل المطلوب.