"أمنيات بسيطة" تصطدم برفض المجتمع لذوي الإعاقة وعائلاتهم

نادين النمري

عمان- "نفسي برمضان نفظر برا البيت، ما حد بعزمنا عشان أخوي مريض".. أمنية بسيطة كتبتها الطفلة فرح التي لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها، في موضوع تعبير مدرسي، يدور حول عدم تحقيقها هذه الأمنية جراء نظرة المحيطين لعائلتها وشقيقها ذي التوحد.

اضافة اعلان


وإن كانت الرسالة، بما فيها من كلمات عتب وغضب، نابعة من القلب، تحكي قصة هذه الطفلة وعائلتها، لكنها تعكس معاناة العديد من العائلات ممن لديهم أطفال من ذوي الإعاقة الذين يعانون عزلة مجتمعية، جراء رفض المحيطين لتقبل إعاقة أبنائهم.


كلمات الطفلة لاقت تعاطفا كبيرا، فجاءت المبادرة من ولي العهد سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني الذي اتصل هاتفيا بوالدة الطفلة، للاطمئنان على العائلة، كما لاقت هذه القصة تفاعلا شعبيا، فبادر أفراد وأصحاب مبادرات للتواصل مع العائلة.


تعكس حالة عائلة الطفلة فرح، مزيجا من التحديات التي تواجه أسر الأطفال ذوي الإعاقة، فمن جهة تعاني العائلة عزلة مجتمعية، الى جانب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة، ففي حديثها تكلمت عن إصابتها بمرض فيروسي نتيجة إقامة الأسرة في مسكن غير لائق، لا تصله الشمس والتهوية الجيدة.


وفي هذا السياق، يقول الأمين العام للمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الدكتور مهند العزة، إنه "فور رصد المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رسالة الطفلة، زار وفد من المجلس الأسرة في منطقة سكنهم في أحد أحياء عمان الشرقية، ووجدنا أن وضع الأسرة فعليا، يحتاج الى دعم، وأيضا لمسنا أن الأسرة عفيفة جدا، فقد رفضت دعوات وصلتها للإفطار، وقالت إن ذلك ليس غايتها، وهو أمر يحترم ويقدر للأسرة".


وأضاف "سنجري تقييما لاحتياجات الأسرة وطفلها، وبالتأكيد بعد تواصل ولي العهد سيكون هناك تغيير ملموس على وضع هذه الأسرة، وسنتولى من جهتنا الدعم الخاص للتدريب والتأهيل للطفل".


وبين "أن الطفل حاليا مندمج في مركز نهاري، لكن العائلة تحتاج لدعم بتأهيل الطفل، وهو أمر سيؤخذ بالحسبان".


أما بخصوص ما تضمنته الرسالة حول الوضع الاجتماعي للعائلة، واستبعادها من الدعوات، فقال العزة "هذا واقع مؤلم، وإن كان للأسف ليس مفاجئا، ما يعكس حالة لم تتغير، وإن كان طرأ عليها تحسن لكنها متجذرة، وهي عدم قبول الآخر والتنمر على أسر وأطفال ذوي الإعاقة عندما يستبعدون من الدعوات".


ويقول العزة "هذا حال أسر تستبعد من الدعوات، أو أن تكون الدعوة للأهل والأطفال باستثناء الطفل ذي الإعاقة".


منار (اسم مستعار) أم لطفلين من ذوي التوحد، المصحوب بإعاقة ذهنية شديدة، تروي لـ"الغد" ما عانته وأطفالها من رفض المحيطين بها، وتقول "دائما كان أبنائي مستثنيين من حضور المناسبات وأعياد الميلاد العائلية. كنت أشعر بحرج حين تأتي الإجابة من الداعين أحيانا: معلش ما بدنا الضيوف ينزعجوا، وفي مرات أخرى وبطرق أكثر دبلوماسية، يكون المبرر، أن أطفالي لن ينسجموا مع الأطفال الآخرين".


يبقى الوضع الاقتصادي لعائلة منار أفضل حالا، وذلك دفع بها لإقامة احتفالات خاصة لأطفالها، اضطرت في بعضها للاستعانة بفرق ترفيه، لكن ذلك لا يغني بأي حال عن الحاجة للشعور بالتقبل لأطفالها أسوة بغيرهم.


"تبقى الجملة الأكثر قسوة تعالي بس بدون ولادك"، بحسب منار، فإن هذه العبارة هي "الأشد قهرا".


ويرى العزة في هذا النوع من العبارات الموجهة لأهالي الأطفال ذوي الإعاقة، تنمرا على الأسرة والطفل، فلا شيء يجرح أكثر من ذلك.


تضيف منار "حتى وأن أردت الذهاب الى مطعم أو مكان ترفيه عام أو مسبح، فإن نظرات الآخرين تلاحقني وأطفالي".


يقول العزة "إن السبيل لتغيير هذه النظرة، أن تترسخ ثقافة القبول والتنوع، وهي مسألة تحتاج الى وقت، ولا تغيرها القوانين ولا الاستراتيجيات ولا التدريبات، بل عامل الوقت واستغلاله بتعزيز المناهج بتقبل الاختلاف والتثقيف، ودور الإعلام الموجه الذي يعكس صورة إيجابية عن الإعاقة والاختلاف".


ويشير العزة الى أن حالة عدم القبول هذه، ليست فقط اجتماعية أو عائلية، ففي المدارس نواجه تحديا برفض أسر يكون طفلها في صفوف دامجة مع ذوي الإعاقة.


ويضيف "ما يزال التقدم في مجال تقبل الاختلاف بطيئا. حققنا تحسنا لكن دون المستوى المطلوب، وهذا يتطلب مزيدا من جهود التثقيف والتوعية".


المستشارة بالمركز الوطني لحقوق الإنسان الدكتورة نهلا المومني، قالت "تبين عبر جولاتنا الميدانية أن عدم التقبل من أبرز التحديات التي تواجه الأسر، ما يدفع ببعض الأسر لعدم الإفصاح وإخفاء أبنائهم ذوي الإعاقة".


وتلفت المومني، في هذا السياق، الى قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يؤكد أهمية دمج الأشخاص ذوي الإعاقة وقبولهم في شتى مناحي الحياة.


وتنص المادة (4) من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على عدم التمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة على أساس الإعاقة أو بسببها، ودمج الأشخاص ذوي الإعاقة وقبولهم في شتى مناحي الحياة، باعتبارهم جزءاً من طبيعة التنوع البشري.


كما تنص على تكافؤ الفرص للأشخاص ذوي الإعاقة، وضمان حقوق الأطفال ذوي الإعاقة وتطوير قدراتهم، وتنمية مهاراتهم وتعزيز دمجهم ومشاركتهم في المجتمع.

إقرأ المزيد :