الحكومة بين الأجندة اليومية والمهام الاستراتيجية

أكثر ما يقلق رئيس الوزراء عمر الرزاز أن تغرق حكومته في التعامل مع الأجندة اليومية، والتي قد تسرق الوقت، وتستنفد الجهد في أمور "روتينية" من دون الالتفات للتحديات الأساسية والاستراتيجية.اضافة اعلان
الواقع الأردني والظروف الإقليمية والدولية يحولان الحكومات بفعل الأحداث المتلاحقة واليومية الى "مطفئ للحرائق"، وتتضاءل من أجندتهم سؤال "لوين رايحين"؟!
ما حدث مع حكومة الرزاز نموذج لذهاب الحكومة الى الاشتباك اليومي وتأجيل الاستراتيجي، وربما العمليات الإرهابية في الفحيص والسلط أكثر الأحداث الدرامية التي تخلط الأوراق، وتوجع القلب، وتفرض على الحكومة والأجهزة الأمنية البحث في سياقات الأزمة والخطر.
في لقاء مغلق لرئيس الحكومة مع مجموعة من الكتاب الصحفيين كان الانشغال في الإجابة عن سؤال ما هي القضايا والمحاور الأساسية التي على الحكومة التي تقدم إجابات لها وأن تضع خطة لتنفيذها؟
في الخلوة التي عقدت للفريق الوزاري في بيت الضيافة، كان جل الأمر منصبا على البحث في الأمور التي تؤثر على حياة المواطن، المشاريع الرئيسية المطلوبة والملحة، كيف يقاس أداء الوزراء؟
الهاجس الأول، إن جازت التسمية، تحسين مستوى العيش للمواطن، وربما يرتبط هذا الأمر مع ضرورة تحسين مستوى الدخل، وبالتأكيد يتعلق تحقيق هذا التوجه بتقليص البطالة، وبناء برنامج تشغيل فعال، والمقدمة لنجاح ذلك تشجيع الابتكار والإبداع.
الهاجس الثاني الذي يقلق الحكومة وتريد أن تحقق إنجازاً ملموساً فيه، هو تحفيز الاستثمار والتصدير الداخلي والخارجي، بما يحقق نمواً اقتصادياً، ويوفر فرصاً واعدة للعمل.
باعتقاد الرئيس الرزاز أن النجاح في هذا التوجه يتطلب مبادرات ملموسة، وعلى رأسها مشروع تشغيل وطني في قطاعات أساسية مثل تكنولوجيا المعلومات، والرعاية الصحية، والأشغال والإسكان، والزراعة، فالمطلوب تحديد حزمة المشاريع الكبرى.
وقد يكون الهاجس الثالث الذي تريد الحكومة أن تحدث به اختراقاً واضحاً لأن أثره ينعكس على الناس هو تحسين نوعية الخدمات التي تقدمها الحكومة.
كان الأردن قبل عقود يتميز بنوعية الخدمات في التعليم والصحة والخدمات البلدية والنقل، والآن يشكو الناس من تراجع مطرد في الخدمات التي يحصلون عليها، رغم ما يدفعونه من ضرائب مباشرة وغير مباشرة.
يدرك الرئيس وفريقه أن ثقة الناس به مرهونة بأن يشعروا بأن الخدمات التي تقدم لهم تليق بكرامتهم، ولهذا يشير الرزاز الى أهمية إعادة الاعتبار لمهنة المعلم، والتركيز على مهننة التعليم وتصنيف المدارس، ويطالب بمساندة مجتمعية عبر تطبيق فكرة الوقف التعليمي والصحي.
المواطنة الفاعلة هي المحور الرابع أو الهاجس الجديد الذي يشغل بال الحكومة، فالناس خرجوا "للدوار الرابع" لاستعادة دورهم في صنع القرار، وللتعبير عن رفضهم قانون ضريبة الدخل، والرهان الآن على ثقة الناس وقبولهم بنهج الحكومة وبرنامجها، وهذا هو الواجب الذي على الحكومة أن تحققه حتى لا يخرج الناس للشارع مجدداً.
تعلن الحكومة أنها لا تملك حلاً سحرياً فورياً، وتشير الى الحاجة الى ضبط النفقات، وتتحدث عن الفجوة بين النفقات والإيرادات، وبأن النمو يتراجع.
ملخص ما تريد الحكومة أن تقوله "دعونا نختلف على الحلول ونتفق على التشخيص".
أول التحديات الاستراتيجية وأبرزها أمام الحكومة قانون ضريبة الدخل، ولهذا فإن الكثير من القضايا أصبحت أكثر وضوحاً أمام نائب رئيس الوزراء، الدكتور رجائي المعشر، الذي قاد أكثر من 16 لقاءً مجتمعياً مع أطراف مختلفة، للبحث في أفضل تصور توافقي لقانون ضريبة الدخل، مع التأكيد أن هذا القانون "مصالحي"، بمعنى أن للنقابات المهنية رؤيتها ومصالحها، وللتجار موقف وأولويات أخرى، والأمر نفسه ينطبق على الصناعيين وهكذا.
يؤكد المعشر أن قانون ضريبة الدخل ليس هدفاً بحد ذاته بل مدخل لتحقيق العدالة، وأيضاً ضريبة الدخل برأيه خطوة أساسية لتغيير النهج.
لم تحسم الحكومة إن كانت ستتعجل بإرسال قانون الضريبة للبرلمان بدورة استثنائية بعد عيد الأضحى، أم التريث قليلاً لتقديمه بصورة مختلفة للرأي العام، والانتقال للقاءات في المحافظات، وتقديم رؤية الحكومة ومرتكزاتها للعدالة الضريبية لخلق "لوبي" ضاغط ومؤيد لها، وشرح الهيكلة الضريبية التي لن تنتهي بقانون ضريبة الدخل؟
إذن حتى الآن، فإن الحكومة مستنزفة بالعمل اليومي منذ قدومها، وننتظر استدارتها نحو التحديات الرئيسية، لنرى كيف ستخرجنا من أزماتنا الاقتصادية والسياسية والخدماتية، لتعيد إحياء الأمل الغائب عند الناس؟!