المالكي وأعداؤه في العراق

 

يواجه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ظروفاً ائتلافية وحكومية عصيبة لا مع الأكراد فحسب، بل مع جملة قوى اساسية داخل العملية السياسية العراقية. لا يستبعد البعض من المراقبين السياسيين احتمال تطور هذه الظروف الى نشوء توجّه منظّم داخل البرلمان العراقي للسعي الى سحب الثقة منه. هذا، رغم توصّله، قبل أسابيع، الى اتفاقية أمنية متوازنة مع الإدارة الأميركية حول إعادة تنظيم وجود القوات الأميركية في العراق كمقدمة لانسحابها في فترة زمنية لا تتجاوز ثلاث سنوات.

اضافة اعلان

في الواقع، يمكن للاتفاقية الأمنية أن تمرر في البرلمان. لكن النقاشات الساخنة والحادة، بل والعنيفة التي تشهدها جلسات البرلمان في خصوص الاتفاقية توضّح مقدار التعقيدات التي أصبحت تكتنف العملية السياسية التي يقودها المالكي. صحيح، التوقيع الحكومي العراقي على الاتفاقية، يمثّل، في حد ذاته، نجاحاً لافتاً للمالكي في الوضع العراقي الداخلي والإقليمي الراهن. لكن المشكلة أن الأجواء السياسية المحيطة بحكومة المالكي لم تعد صحية بفعل التجاذبات والصراعات الكثيرة التي أصبحت تكتنف العلاقات بين أطراف العملية السياسية العراقية. لهذا، ليس من الغرابة في شيء أن نجد الاتفاقية التي ضمنت تحقيق أكثر مطالب العراقيين، لا تلقى الترحيب الحار في البرلمان. بل إنها تواجه صعوبات لا أدل على مقدارها من الإشارة الى أن رئيس الوزراء العراقي اضطر، قبل ايام، لتوجيه تهديد صريح الى الكتل البرلمانية مفاده أنه سيطلب رحيل القوات الأميركية فوراً إذا تمّ رفض تصديق الاتفاقية.

في الواقع، لا تعود الاسباب الحقيقية للنقاشات والخلافات التي يشهدها البرلمان العراقي الى بنود الاتفاقية نفسها، ولا الى اعتراضات أطراف محسوبة على إيران على تصديقها، إنما، هذه الاسباب، تعود في الأصل الى حالة فقدان الثقة بين المالكي وقوى سياسية عراقية عدة حول ملفات أساسية بينها الموقف من مجالس الإسناد وإدخال تعديلات على بنود الدستور، ما يسمح بتقليص صلاحيات الأقاليم، إضافة الى الموقف من الفيدرالية. بعض القوى، الحزب الإسلامي العراقي، مثلاً، الذي تحدث رئيسه طارق الهاشمي عن فكرة طرح الاتفاقية للاستفتاء الشعبي، تحدث في الوقت عينه، عما سمّاه بضرورة لجوء المالكي الى سياسات هدفها (تحسين الحال) في العراق.

في الواقع، لم تعد خلافات المالكي تقتصر على الأكراد، ولا على مطالبتهم حكومته بضرورة الإسراع في تطبيق المادة 140 من الدستور، ولا على مواضيع أساسية في الأجندة الكردية بينها كركوك وخانقين وعقود النفط. إنما  الخلافات أصبحت شديدة الوقع بين المالكي وقوى داخل قائمة الائتلاف (الشيعي) الحاكم كالمجلس الإسلامي الأعلى بزعامة السيد عبدالعزيز الحكيم وحزب الفضيلة الذي يعارض المالكي فكرته الأساسية حول تحويل البصرة الى إقليم فيدرالي. وأخرى خارجه كالتيار الصدري بزعامة الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر. هذا إضافة الى خلافاته القديمة، المتجددة دائماً، مع أطراف سنّية عربية في داخل العملية السياسية كجبهة التوافق بزعامة نائب رئيس الجمهورية الهاشمي وجبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلك.

في الواقع، يختلف الموقف السياسي لهؤلاء عن موقف الأكراد في نقطتين جوهريتين: الأولى، يحرص الأكراد على عدم إحراج الموقف السياسي الأميركي الداعم للمالكي في المرحلة الراهنة. الثانية،  يحرصون على الاحتفاظ بعلاقات تحالفية وطيدة مع المكوّن الشيعي الذي يؤلف أكثر من نصف سكان العراق. الثالثة، يحرصون على استمرار المالكي في قيادة دفة الحكومة نتيجة فقدانهم الثقة بقوى سياسية أخرى في العراق تعادي الحقوق الكردية بشكل كامل.

أما بقية القوى المختلفة مع المالكي فإنها تعتقد أن رئيس الوزراء العراقي الذي يموّل مجالس الإسناد من ميزانية الحكومة، يهدف الى تمتين قبضة حزبه على المحافظات الشيعية في الجنوب والوسط، والتحضير لبسط نفوذه على الساحة الانتخابية العراقية في الانتخابات البرلمانية المقبلة في منتصف العام المقبل. في هذا الصدد، يتحدث الصدر بمرارة عمّا فعله المالكي مع جيش المهدي. فيما تشير القوى السنية بمرارة أكثر الى المصير الذي انتهت إليه مجالس الصحوة بفعل المالكي الذي أراد، بحسب أقوال المعترضين، تخلية ساحة العراق من أي كيان مسلح بغية بناء كيان مسلح خاص بحزبه.

في مربع آخر، يجادل المجلس الإسلامي (الشيعي) الأعلى أن المالكي يهدف من وراء حديثه عن تقليص سلطات الأقاليم وتعزيز صلاحيات المركز وتحجيم النظام الفيدرالي الذي ينص عليه الدستور الى قتل فكرة الفيدرالية في الجنوب. الى ذلك، تضيف أوساط في المجلس الأعلى أن حلم المالكي، في هذا الصدد، يتركز على تقليص نفوذ المجلس بين الشيعة العراقيين والعمل على تحويل حزبه الصغير في بنيته التنظيمية الى الحزب الرئيسي لا في الجنوب فحسب، بل في كل العراق. أما أهدافه من تقوية الدولة المركزية على حساب الأقاليم، ففي رأي التكوينات السياسية الشيعية الأخرى، فتتمثل في رغبته في إحكام قبضة مستشاريه على منابع تصدير النفط في الموانئ الجنوبية بغية توفير العائد المالي الكفيل بتعزيز سلطاته على رأس الدولة المركزية.

الى ذلك، يناقش ممثلو قوى سنيّة وشيعية عدة، أن العقبة الكبيرة التي خلقها المالكي لمنع وزراء بقية الأطراف في إطار الحكومة الائتلافية للعمل تتمثل في شبكة هائلة من المستشارين الذين يتبعون المالكي مباشرة ويتوزعون على اختصاصات قريبة من اختصاصات الوزارات العراقية. ففي خصوص وزارة الخارجية والدفاع، على سبيل المثال، يحيط بالمالكي عدد من المستشارين الفاعلين لأن الوزيرين يتبعان المكوّن السني: الأول كردي والثاني عربي. بينما ليس للمالكي مستشارون حول التربية والتعليم ووزارة النفط لأن وزيريهما يتبعان حزبه أو خطّه السياسي.

خلاصة القول إن مشكلات المالكي لم تعد مقتصرة على الأكراد. إنما أصبحت تشمل قوى سياسية فاعلة بينها حليفة لها في إطار الائتلاف الإسلامي الموحد. في الواقع، يحاول رئيس الوزراء العراقي طمس هذه المشكلات وتجاوزها عن طريق حشد القوى العراقية خلف دعوته الى ضرورة تفاهم شيعي - سني للوقوف في وجه (الخطر) الكردي. لكن الحقائق، داخل البرلمان على الأقل، توحي بإمكان انتهائه الى نفس المصير الذي انتهى اليه رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري، لكن بأيد غير كردية هذه المرة. فالواضح أن الأكراد الذين يمتلكون 56 مقعداً في البرلمان، لن يعملوا على سحب الثقة منه، لكنهم، قطعاً، لن يعارضوا محاولات قوى أخرى إذا شرعت في تهيئة الأرضية القانونية لعملية سحب الثقة أو استبداله بممثل آخر لرئاسة الوزارة من القائمة الشيعية في الانتخابات البرلمانية المقبلة.