بزوغ فجر جديد في ليبيا

تؤذن الانتخابات الليبية ببزوغ فجر جديد في ليبيا، ليس لأنها شهدت أول انتخابات منذ أكثر من أربعين عاماً فحسب، بل لأن الليبيين صوتوا للديمقراطية. إذ إن المؤشرات الأولية تدل على أن التحالف الوطني الليبرالي بقيادة محمود جبريل، أحرز تقدماً على الأحزاب المنافسة، وخاصة الإسلاميين. وتشكل هذه النتائج غير المتوقعة مفاجأة للمراقبين، وتأتي خارج سياق نتائج الانتخابات في مصر وتونس التي جاءت بالإسلاميين من خلال صناديق الاقتراع، وكذلك لأن معظم الثوار الذين ساهموا في الإطاحة بالقذافي كانوا من الإسلاميين. والسؤال الذي يثار هنا هو: لماذا استطاع الليبراليون إحراز هذه النتائج، بينما فشلوا في تونس ومصر؟اضافة اعلان
بداية، لقد استطاعت القوى الوطنية والليبرالية تشكيل تحالف لخوض الانتخابات البرلمانية بقيادة شخصية ليبرالية، كان لها دور مهم في المرحلة الانتقالية، واستطاعت مخاطبة عقول وقلوب الليبيين من خلال برنامج واقعي، وضعت فيه تصوراتها لمستقبل ليبيا بعيداً عن الشعارات الرنانة. وبالتالي، تم تجميع القوى العلمانية والليبرالية والوطنية في تحالف واحد.
ثانياً، حسب المعلومات الأولية، فقد صوّت الشباب والنساء بكثافة لهذا التحالف الوطني الليبرالي، لأنهم يعتقدون أن برنامجه هو الكفيل بالاستجابة لطموحات الشباب وحقوق المرأة. وبالتالي تفرد الشباب والنساء في ليبيا عن نظرائهم في دول الجوار، ولعبوا دوراً حيوياً في هذا المجال.
ثالثاً، الإسلاميون في ليبيا ليست لديهم الخبرة والنفوذ على أرض الواقع، لأنهم لم يستطيعوا -وبعكس نظرائهم في الدول المجاورة- أن يعملوا بشكل فعّال تحت ظل النظام الليبي، ولم تكن لديهم أذرع خيرية ودعوية داخل المجتمع الليبي، مثل الجمعيات الخيرية والمدارس الدينية، بسبب منع ذلك من قبل النظام السابق. ومن ثم، لم تتوافر لهم أهم الأذرع الانتخابية المتاحة لإخوانهم في تونس ومصر. كذلك، فإن حزب الإخوان خسر كثيراً من شعبيته بسبب تحالفاته أو الصفقات التي كان قد عقدها مع النظام الليبي السابق، ما أضعف مصداقيته لدى العديد من الناس.
رابعاً، تشير المعلومات إلى أن جزءاً ليس بسيطاً من أنصار النظام السابق المعادين للإسلاميين لم تكن لهم خيارات كثيرة باستثناء التحالف الوطني الليبرالي، وهذا ينطبق على بعض القبائل أيضاً.
خامساً، إن ليبيا قبل القذافي كانت تجرى فيها انتخابات شبه منتظمة، وكانت هناك أحزاب وحرية إعلام وغيرها انقطعت على مدى الأربعين عاماً المنصرمة، ولكن عدداً لا بأس به من الليبيين عاشوا تلك الفترة الليبرالية أو اللحظة الليبرالية، وهذه التجربة غير متوافرة لنظرائهم في الدول المجاورة.
وأخيراً، فإنه بالرغم من دكتاتورية النظام السابق، وبالمعدل، فإن نسبة المتعلمين في ليبيا مرتفعة مقارنةً بغيرها، والأحوال الاقتصادية لمعظم الليبيين ليست بالدرجة نفسها من الضنك الذي يعيشه ملايين المصريين والتونسيين، الأمر الذي لم يساعد على نجاح الحركات الإسلامية في استقطابهم. علاوة على ذلك، فإن نسبة كبيرة من الليبيين كانت على اتصال مع أوروبا، وبخاصة مع مالطا وإيطاليا، ليس كمهاجرين غير شرعيين، وإنما كسياح ورجال أعمال وطلبة في جامعاتها التي أثرت مفاهيمهم السياسية والديمقراطية.
هذه العوامل مجتمعة جعلت من الممكن نجاح القوى الديمقراطية والليبرالية في ليبيا، وأضعفت حظوظ الإسلاميين. إن الحالة الليبية تشكل استثناءً عن الحالات التي سبقتها، وتعيد الاعتبار لمصطلح الربيع العربي، وتؤسس لدولة ديمقراطية ليبرالية حقيقية.