السجن داخل كرسي ..عمّان بيئة طاردة لذوي الإعاقة الحركية - فيديو

شخص يساعد أحد ذوي الإعاقة على صعود درج بإحدى مناطق العاصمة -(من المصدر)
شخص يساعد أحد ذوي الإعاقة على صعود درج بإحدى مناطق العاصمة -(من المصدر)

سوسن طبازة و فرانك أندروز 

عمّان-إذا كنت من بين أربعة ملايين شخص يعيشون في عمّان، لا بد أنك تدرك صعوبة التنقل من مكان لآخر من دون سيارة خاصّة أو مواصلات عامّة.

اضافة اعلان

ولكن، إذا كنت واحدا من قرابة 365 ألف شخص من ذوي الإعاقة فستكون مغادرة المنزل إلى الشارع مشقّة كبيرة. 

عبد الرحمن سلامة

عبد الرحمن سلامة (37 عاماً) يتنقل في عمّان على كرسيه المتحرك منذ اضطر لاستخدامه قبل 20 عاماً. في كل مرّة يزور الجامعة الأردنية للقاء أصدقائه، يعجز سلامة عن عبور الشارع بأمان إلى الجهة المقابلة لبوابة الجامعة الرئيسة، حيث المطاعم والكافيهات ومواقف سيارات الأجرة والحافلات. 

"عليّ إما البحث عن سيارة أجرة بصعوبة شديدة للانتقال للطرف الثاني من الشارع أو استخدام كرسيي المتحرك وقطع تلك المسافة [انعطافة مسافتها كيلومتر واحد]، أو عبور نفق المشاة"  يقول عبد الرحمن، مضيفاً أن الخيار الأخير يكون عادة ملجأه الوحيد.   

يهم سلامة لدخول نفق المشاة لكي يستقل سيارة أجرة للعودة للمنزل، ولكنه يقف بمجرد وصوله لأول درجة. هنا يبادر شابان أمام باب متجريهما لحمل سلامة فوق كرسيه المتحرك مسافة 10 درجات هبوطا ثم مثلها صعودا حتى خروجه من طرف الشارع الآخر.

 "بدّي حدا يساعدني من قدّام"، يناشد سلامة، فينادي أحدهما "يلا، أحمد.. واحد، اثنان ارفعوا شباب". ولدى وصولهم للطرف المقابل، يبقى أحدهم مع سلامة ويساعده في التلويح لسيارة أجرة، بينما يعود البقية لمحلاتهم لبيع حقائب وهدايا.   

"عمان صفر بالمية مهيئة لذوي الإعاقة"، هكذا يصف سلامة حال المدينة. تزيد المشكلة إن حاولت البحث عن عمل، حسبما يضيف معدّدا صعوبة دخول معظم البنوك، محلات البقالة والسوبرماركت أو الاستمتاع بزيارة الأماكن السياحية. ثم يتساءل: "أليس من حقي زيارة هذه الأماكن"؟

تفاقم معاناة هذه الشريحة طبوغرافية المدينة التي تمدّدت من سبعة جبال قبل العام 2000 إلى 20 جبلاً وربوة الآن بمساحة 1700 كيلومتر مربع. تلتف الطرق حول محيطها وفي قصبتها كلعبة السلم والثعبان بينما تتقاطع أدراجها الضيقة غير المستوية وسط عماراتها المرصّعة بالحجر الأبيض. 

بتتبع مسارات سلامة وعشرة من أقرانه وقريناته، أثبت معدّا التحقيق أن مباني المدينة، أزقّتها، شوارعها و أرصفتها غير مهيأة لاستخدام ذوي الإعاقات الحركية والبصرية باستقلالية تامة.

عبد الرحمن خلال تنقله

 ورافق المعدّان ذوي إعاقة  في رحلاتهم "الشاقّة" خارج المنزل واستمعوا إلى تجاربهم، كما تفحصّا تطور القوانين ومدى تطبيقها في هذه المدينة؛ بخاصة لدى مؤسساتها الحكومية والمناطق السبعة التي تؤكد الحكومة وأمانة عمّان أنها رفيقة  بذوي الإعاقة الحركية. 

الوضع كما هو

في  منتصف 2019، رافق أحد معدي التحقيق الناشطة الحقوقية آسيا ياغي في جولة - على كرسيها المتحرك - شملت ثمان مبانٍ حكومية عشوائية لاختبار مدى تهيئة المؤسسات العامة: وزارات الثقافة، التنمية الاجتماعية، التربية والتعليم، العمل والصحة فضلا عن دائرة قاضي القضاة واثنين من مباني أمانة عمان الرئيسة في منطقة رأس العين.

تبين من خلال الجولات أن خمسة من المباني الثمانية مجهزة بمنحدرات مهيأة، اثنان منها فقط مجهزة بمصاعد مزودة بنظام صوتي ناطق ولغة بريل، وثلاثة منها مزودة بدورات مياه للأشخاص ذوي الإعاقة؛ واحد من دورات المياه فقط مهيأ تماماً وسهل الاستخدام.

كما وجدا أن أربعة من المباني مزودة بأماكن اصطفاف مخصّصة للأشخاص ذوي الإعاقة. ولكن، لم يكن أي منها مهيأ تماماً لجميع الإعاقات الحركية والحسّية.

يتعارض كشف هذا التحقيق مع وعود حكومية متكرّرة مذ وثّق تحقيق لأريج عام 2009 كيف أن عمّان تشكّل بيئة طاردة للأشخاص ذوي الإعاقة. وكشفت الزميلة زينة حمدان آنذاكضعف الرقابة الحكومية على تطبيق كود (معايير) البناء الخاصّة بالأشخاص ذوي الإعاقة.    

منذ 2009، أصدرت الحكومة قانونا جديدا لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وعدلت قانون البناء الوطني، وحدّثت كود متطلبات البناء الخاصّة بالأشخاص ذوي الإعاقة، كما أطلقت خطّة استراتيجية عشرية لتهيئة المباني الحكومية.

على أن معدي التحقيق رصدا خللا في تطبيق القوانين والأنظمة الجديدة ما حال دون جعل المدينة صديقة للأشخاص ذوي الإعاقة.

كما لاحظا تداخلا في صلاحيات الجهّات المسؤولة عن ضمان تنفيذ القوانين الجديدة.  

تختلف متطلبات التهيئة البيئية بحسب نوع الإعاقة. مثلا، المغسلة المنخفضة في دورة المياه، المساحة الواسعة في مصفّات السيارات ووجود مصاعد تقع ضمن متطلبات تسهيل تنقل ذوي الإعاقة الحركية في تلك المرافق.

أما توافر اللوحات الإرشادية بلغة بريل والنظام الناطق في المصعد فتقع ضمن متطلبات تسهيل تحرك ذوي الإعاقة البصرية. 

تضارب بين المعلن والواقع 

أمانة عمّان لا تملك خريطة بالأماكن الرفيقة بذوي الإعاقة. على أن المديرة التنفيذية للهندسة في الأمانة نعمة قطناني تؤكد وجود سبع مناطق في العاصمة  خالية من العوائق ومهيأة لذوي الإعاقة الحركية: ميدان الملك فيصل، شارع الرينبو، شارع الوكالات، شارع الملك غازي، جبل الحسين (في المنطقة الممتدة من شارع مدرسة سكينة حتى تقاطع دوار فراس)، جبل القلعة والساحة الهاشمية. 

الناشطة ياغي

يشاطرها في التأكيد مدير قسم الأشخاص ذوي الإعاقة في أمانة عمان أيمن السعود: هذه المناطق "مهيأة مئة بالمئة"، بحسب ما يقول.

ولكن، الزيارة الميدانية لهذه المواقع مع الناشطة ياغي رئيسة جمعية "أنا إنسان" أثبتت عكس ذلك بسبب شدّة انحدار المنحدرات، قلّة أماكن ركن السيارات المخصّصة لذوي الإعاقة، ووجود أشجار أو أعمدة إنارة في منتصف الأرصفة. 

تقدر قطناني نسبة مباني الأمانة المهيئة ب 80 % "على الأقل للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، يوجد بها منحدرات". 

على أن تأكيدها يثير استغراب ياغي: "يعتقدون إذا امتلك المبنى منحدر فهو مهيأ"، لافتة إلى ضرورة الاستجابة لمتطلبات أصحاب جميع أنواع الإعاقة، بما فيها البصرية والسمعية.  

إحدى تلك المناطق في جبل الحسين تصنّف على أنها موقع نموذجي للأشخاص ذوي الإعاقة. بحسب مقابلات مع خبراء وناشطين حقوقيين، تبلورت فكرة المشروع بعد زيارة وفد أردني إلى مدينة برشلونة عام 2013، وموّلت بلدية برشلونة نسخ نموذج مصغر عن المدينة الأوروبية المهيأة، في منطقة سكنية تجارية في عمان. 

آسيا ياغي

على أن أمانة عمّان لم تستشر أعضاء في اللجنة التي زارت برشلونة -من ضمنهم مستخدمو كراسٍ متحركة وأكفّاء- حين شرعت في تجهيز موقع جبل الحسين، بالرغم من تأكيد سعود أن المشروع خضع لتجربة أشخاص ذوي إعاقة عند تهيئته.

قبل شهر من إطلاق المرحلة الأولى - تحديداً في أكتوبر/ تشرين الأول  2019- كانت الأرصفة البازلتية ملساء تتسبب بانزلاق الكرسي المتحرك، والمنحدرات ذات درجات ميلان متفاوتة بين متوسطة إلى شديدة الانحدار يصعب استخدامها من دون مساعدة.

وكانت السيارات تغلق المنحدرات وأماكن الركن الخاصّة بذوي الإعاقة، فيما امتلكت معظم المحال التجارية المجاورة للمشروع درجات أمامية تحد من وتمنع دخول الأشخاص ذوي الإعاقة إليها.

أما الإشارات الضوئية، فكانت مزودة بنظام صوتي لكن صوته منخفض مقارنة بضجيج الشارع. 

في زيارة أخيرة للمشروع في شهر أيلول من عام 2020، أي بعد 11 شهر من إطلاقه، لم تمتلك أي من المحال التجارية على منحدرات تمكن ذوي الإعاقة الحركية من دخولها، بالرغم من أن المهندس المسؤول عن المشروع، أسامة الجبور، صرح في مقابلة أجريت معه في شهر أكتوبر/ تشرين الأول  2019، بأن الأمانة تواصلت مع أصحاب محلات وأعربوا عن رفضهم من تركيب منحدرات أمام المحال التجارية.

ولكن، في استفتاء عشوائي مع ثمانية محال تجارية، منها محال ملابس ومنها محال مجوهرات، نفى ستة من أصحاب هذه المحال أن الأمانة تواصلت معهم بخصوص تركيب منحدرات وأعربوا عن استعدادهم للتعاون، بينما قال اثنان آخران تواصلت معهم الامانة عبروا عن رفضهم لان ابواب المحلات صغيرة لا تتسع للمنحدرات وتعيق من الحركة.

تبين خلال الزيارة أيضاً أن نهاية أحد الأرصفة لم تمتلك منحدرا، وأن النظام الصوتي لاثنين من أصل ثلاث إشارات معطلاً. 

أما بالنسبة للمسارات المهيئة لذوي الإعاقة البصرية، فقد ثبتت الأمانة سابقاً البلاط المعروف ب "تاكتايل" بمواد لاصقة تأثرت بالعوامل الجوية مما أدى لاقتلاعه من مكانه، لذا تعمل الأمانة حالياً على تدعيمها بمسامير في الأرض.

فشلت جميع محاولات معدي التحقيق في الحصول على تفسير من أمانة عمان حيال  النقاط الموثقة  أثناء الزيارات الميدانية. 

صادق الأردن على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2007 وأصدر قانونا لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في 2017، فلاقى  ترحيباً لدى  المؤسسات الحقوقية، لنصه على إلزامية تهيئة المدارس، المراكز الصحية، المستشفيات والأماكن العامة للأشخاص ذوي الإعاقة.

كما ألزم الحكومة بتهيئة المرافق والخدمات العامة  خلال خمس سنوات من صدوره. 

بحسب قانون 2017، على الأمانة تزويد الإشارات الضوئية بنظام تنبيه صوتي وتهيئة الطرق والمباني تحت الإنشاء لتكون خالية من العوائق.

ولكن، حتى الآن لم تشهد مدينة عمان على وجه الخصوص أي تغييرات جذرية في تهيئة بنيتها التحتية، قبل سنتين من انتهاء فترة المشروع  في آب/ أغسطس 2022. 

26 عاما على "المفهوم الجديد"

المديرة التنفيذية للهندسة في الأمانة نعمة قطناني تقول أن أهم تحدي يواجه التهيئة البيئية في الأردن هو أنه "مفهوم جديد" ، برغم  تناول نصوص التشريعات الأردنية للتهيئة البيئية منذ أكثر من 26 عاماً. 

في 1993، صدر  قانون البناء الوطني ومعه أول كود لمتطلبات التهيئة البيئية للأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يفرض  إمكانية الوصول في المباني العامة للأشخاص ذوي الإعاقة من دون غيرهم، مع فرض غرامة تتراوح بين 100- 3000 دينار ( 140 $-4230 $) على المخالفين. 

 " لم يكن هناك أي تطبيق خلال العقدين أو الثلاثة الماضيين… إلا في بعض المبادرات العشوائية، هنا وهناك"، يقول العزّة، الذي يعاني من إعاقة بصرية.

وفي عام 2018، صدر قانون معدّل لقانون البناء الوطني الأردني الذي يلزم الجهات المختصة بعدم التصديق على أي مخطّطات بناء ما لم تنسجم مع كودات البناء، ومنع إصدار أي ترخيص عقار  إلا بعد الحصول على الموافقات اللازمة مع مراعاة الأحكام الواردة في كودات البناء.

بموجب القانون الجديد ألغيت المخالفات واستبدلت بعقوبة سحب الرخص من الجهات المخالفة، سواء المقاول، أو المكتب الهندسي.  

في آذار/مارس 2019، حدّثت الحكومة  كود متطلبات البناء للأشخاص ذوي الإعاقة؛ يناسب" جميع المشاريع الإنشائية ويراعي  المتطلبات الخاصة بذوي الإعاقة الحركية، والسمعية والبصرية منحيث وجود الأدراج، المصاعد، الأرضيات، والخدمات الصحية المناسبة، ومصفات السيارات وغيرها من المواصفات الفنية المتضمنة في كود البناء، حسبما يؤكد الأمين العام السابق لمجلس البناء الوطني جمال قطيشات لمعدي التحقيق.

من جانبه، أوضح  أمين عمّان يوسف الشواربة لمعدّة التحقيق، خلال مقابلة أجريت معه في حزيران 2019، بأن الكود استخدم كمرجع في مشروع جبل الحسين لجعله مهيئاً طبقاً "لأعلى المواصفات والمقاييس العالمية" وتم تطبيقه في تهيئة جميع الأرصفة وممرات المشاة. 

الخطة العشرية 

أطلق المجلس الأعلى بالتعاون مع وزارة الأشغال العامة والإسكان في آذار/ مارس 2019 خطّة عشرية لتصويب أوضاع المباني القائمة والمرافق العامة، تنفيذاً لأحكام قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لسنة 2017، وتطبيقاً لكودة متطلبات البناء الخاصة بإمكانية الوصول بما يحقق بيئة خالية من العوائق المادية. 

تستهدف الخطّة تهيئة ما نسبته 60% على الأقل من المرافق والمباني العامة التي تقدم خدمات للجمهور بحلول عام 2029 وذلك من خلال تطبيق معايير كودة متطلبات البناء للأشخاص ذوي الإعاقة و/ أو إيجاد البدائل المناسبة حسب الإقتضاء، وتأهيل مناطق نموذجية في الشمال والوسط والجنوب لتصبح مهيأة لاستخدام الأشخاص ذوي الإعاقة بمعدل (4) مناطق على مستوى المملكة وبحلول عام 2022.

في حواره مع معدّي التحقيق، يشكّك العزّة بالقدرة على إكمال المشروع.  ويرى أن النفقات المخصّصة لتنفيذه "بسيطة جدا" كما ينفي وجود "خطّة تنفيذية". 

أمانة عمّان خصصت مليون دينار (1.41 مليون دولار) لمشروع التهيئة البيئية في عام 2019، بينما خصصت وزارة الأشغال العامة 100 ألف دينار (141 ألف دولار). 

تعتقد قطناني أن تهيئة المباني القديمة صعبة جداً لأن "عمان مدينة قديمة". أصحاب العقارات في المناطق السكنية هم من يبنون الأرصفة دون مراعاة لاحتياجات ذوي الإعاقة.  وبينما تقر بأن سكان عمان من ذوي الإعاقة يشعرون بعدم الإنصاف، تردف قطانين  بأن المواطنين العاديين  يواجهون  مشاكل مع الأرصفة.

"هذه ليست وظيفتي" 

يبدو أن المسؤولين في الأمانة على غير دراية بالنصوص القانونية أو المتطلبات الأساسية للتهيئة البيئية.

قطناني، المديرة التنفيذية للهندسة في أمانة عمان، تقول "لا أعتقد أن الأمانة هي المعنية بمراقبة تطبيق كود الأشخاص ذوي الإعاقة". 

بينما يقول السعود، مدير قسم الأشخاص ذوي الإعاقة في أمانة عمان إنه لا يعلم أي من المؤسسات الحكومية مسؤولة عن التفتيش على مطابقة المواصفات الفنية المصادق عليها في المخططات التصميمية-  وفقاً لكود متطلبات البناء للأشخاص ذوي الإعاقة-  مع التنفيذ الإنشائي: هذه " ليست وظيفتي...بالحقيقة لا أعلم وظيفة من هي". 

بوكس مسؤولية تطبيق كود البناء

بموجب الكود الجديد، يلتزم أصحاب المنشآت بمراعاة قواعد بناء رفيقة بالأشخاص ذوي الإعاقة لدى  إعادة تهيئة المباني الجديدة والإنشاءات القائمة المراد تغيير صفة استعمالها وتعديلها. وعلى نقابة المهندسين الأردنيين التحقّق من تطبيق متطلبات مرحلة التصميم عند تدقيق المخطّطات التصميمية للمبنى، بينما تتحقق أمانة عمان الكبرى وسائر البلديات والجهات المانحة للتراخيص في المحافظات من تنفيذ المتطلبات الواردة في المخطّطات التصميمية قبل إصدار إذن الإشغال للمبنى، والذي بموجبه يتم توصيل خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي للبناء. 

ولعدم وجود أي جهة ملتزمة في التفتيش على تنفيذ الكودة، رغم إيلاء الكودة هذه المهمة صراحة  لأمانة عمان، قرّر وزير الأشغال العامة والإسكان إحالة هذه المهمة للدفاع المدني أثناء التفتيش على كود متطلبات السلامة العامة في جميع المنشآت. 

بحسب التقرير السنوي الأول لوضع حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن لعام 2018، الصادر عن المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة خاطبت وزارة الأشغال المكاتب الهندسية وهيئة المكاتب والشركات الهندسية وجمعية المستثمرين في قطاع الإسكان لضمان تطبيق الكود في المشاريع الإنشائية في مرحلتي التصميم والتنفيذ، وتم إرفاق تعميم دولة رئيس الوزراء بخصوص عدم منح التراخيص والمصادقة على مخططات المباني المنوي إقامته ما لم تكن مطابقة لكودة متطلبات البناء الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة.

ولكن، تطبيق القانون لا يزال بطيئاً نوعاً ما، بحسب تقرير الظل حول اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الأردن.

القائمة الغامضة

لدى الأمانة أرقام مختلفة ومتضاربة عن المنشآت والأماكن المهيئة حول عمان. فبالإضافة للمناطق السبع "المهيئة بنسبة %100"، أطلعنا سعود على قائمة كانت معدّة قبل أن يتسلم منصبه  في 2018، لجميع الأماكن المهيئة في عمان. وهي تضم 29 شارعا، 44 فندقا، وتسع إشارات ضوئية.

على أن سعود لم يزود معدي التحقيق بأي معلومات إضافية عن التقرير أو نسخة منه. في المقابل لم يسمع العزة بهذه القائمة من قبل ويشكّك "29 منتزه، أنا حقاً أشك بذلك". 

مشقّة  التعليم 

هديل أبو صوفة (29 عاماً) وجدت مشقّة في الفوز بشهادة البكالوريوس في الجامعة الأردنية/ تخصص تغذية. رحلتها اليومية على كرسي متحرك، كانت  مليئة بالعقبات بسبب رداءة التهيئة البيئية في المؤسسات التعليمية الأساسية، الثانوية والجامعية.

حالت كثرة الأدراج وغياب المنحدرات من دون استمتاع أبو صوفة بمرحلتها الدراسية الأساسية منذ أصيبت  بشلل نصفي في حادث سير حين كانت في الحادية عشر من عمرها.

معاناتها  تضاعفت في المرحلة الثانوية عندما رفضت مدارس عامة وخاصة استقبالها عام 2010. وأخيرا قبلت  في مدرسة حكومية في منطقة الشميساني، لكن انعدام وجود المنحدرات اضطر والدها إلى تهيئة مرافق للمدرسة على نفقته الخاصة حتى تستطيع اجتياز هذه المرحلة.

أدراج في كل مكان

تعد الأدراج من أكبر المعيقات في عمان، فتقول أبو صوفة أن عمان تتخذ الأدراج في مقدمة الأبنية كشكل جمالي دونما الانتباه إلى أنه قد يمنع دخول الأشخاص ذوي الإعاقة لها.

أما خالد البربراوي(50 عاما)  يملك محل بقالة في ضاحية الرشيد، يعاني من ضمور العضلات منذ عامه الأول من عمره، يقول أن أولاده يساعدونه في الدخول إلى والخروج من المنزل، الذي يتقدمه عتبتين " إذا ما كانوا موجودين...رح أقولها ومش رح استحي، بستخدم ايدي وركبي" .

المواصلات العامة 

من لا يملك سيارة خاصّة، يستخدم سيارات الأجرة غير المهيأة، التي لم يرد نص بضرورة تهيئتها في قانون 2017. تقول ياغي من جمعية "أنا إنسان" إنها "تنتظر أكثر من ساعة بحثا عن  سيارة أجرة". 

والذين لا يملكون مالاً كافياً لاستقلال سيارات التاكسي عادة ما يعتمدون على الباصات في تنقلاتهم. ينص قانون 2017 أن على جميع الباصات أن تكون مهيئة بحلول عام 2022. 

يواجه الأشخاص الذين يقودون مشكلة كبيرة في ركن سياراتهم. يبدأ ترميز سيارات ذوي الإعاقة بالرقم "81" وهم الوحيدون المسموح لهم باستخدام أماكن الاصطفاف المخصصة لذوي الإعاقة. ولكن الأشخاص من غير ذوي الإعاقة غالباً ما يصطفون في هذه الأماكن. 

dav

يعد ذلك غير القانون في الأردن. بحسب مدير مديرية سير العاصمة عمان السابق باسم الخرابشة، حرّرت  مديرية السير 4584 مخالفة في 2018 للاصطفاف في المناطق المخصصة لفئات معينة من المركبات، بما فيها الأماكن المخصصة لاصطفاف مركبات أشخاص ذوي الإعاقة.

على أن تلك  المخالفات، التي تندرج تحت بند وقوف المركبة في المناطق المخصصة لفئات معينة من المركبات، ألغيت  بالعفو الملكي نهاية عام 2018. 

بدأت أمانة عمان الكبرى في تشغيل 135 حافلة  مهيأة في حزيران/ يونيو 2020 في عمان،  ضمن مشروع الباص السريع الذي يتوقع أن ينتهي العمل به في نهاية 2020 وسيضم ما مجموعه 286 باص لخدمة العاصمة. 

حلم الأردن المهيأ 

 الراحلة آية أغابي مطلقة المبادرة المجتمعية "الأردن المهيأ" قالت لمعد التحقيق إن المؤسسات المعنية "لا تطلب من الناشطين في مجال حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المساعدة في التصميم أو تنفيذ المشاريع الجديدة".

وأجرت أغابي المقابلة في فبراير/ شباط 2019، على كرسيها المتحرك، الذي لازمها مذ أصيبت بالشلل في حادث سير وحتى وفاتها عن 28 عاما في 20 أغسطس/ آب من العام ذاته. وكان يطلق على هذه الريادية "صانعة الأمل". 

يشعر الشخص بأنه "معزول"، قالت آغابي مضيفة: "من المريع أن تشعر بأن أشخاص لديهم طاقات هائلة ولكن غير قادرين على المشاركة والمساهمة في بناء هذا البلد". 

آخر كلماتها لمعد التحقيق كانت: "أريد أن أسلط الضوء على الأماكن المهيأة حالياً حتى لا ينتظر الناس عشر سنوات أخرى لعيش حياتهم فعلياً".

وأضافت:  "لم نحتاج للانتظار حتى تأتي الحكومة وتجبرنا على جعل محالنا ومدارسنا وعياداتنا الطبية مهيأة...علينا أن نتحمل المسؤولية بأنفسنا". 

رحلت آغابي، لكن هل رحل حلم الأردن المهيأ معها؟ أم ستفي الحكومة بالتزاماتها تجاه قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2017 ويصبح الأردن بعاصمته وضواحيه ومحافظاته ومناطقه الأشد فقرا مهيأ بحلول 2022؟