قليل من التخلف لن يضر

 

إذا شئنا أن لا ندفن رؤوسنا في الرمل إلى ما لا نهاية، سنجد أنفسنا أمام اعتراف لا بد منه، حول وجود المثليين من كلا الجنسين في مجتمعنا، حيث أصبح ظهورهم في بعض الأماكن المعروفة مألوفا جدا.

اضافة اعلان

ولعل الطلب الذي تقدم به بعضهم مؤخرا، للحصول على ترخيص لإنشاء جمعية تعتني بشؤونهم، مؤشر فعلي على حقيقة وجودهم الذي نحاول إنكاره جملة وتفصيلا؛ لكنهم موجودون وبكثرة أيضا، وذلك ببساطة واقع حاصل لن يلغيه الإنكار وادعاء الطهرانية والعفاف.

لست في معرض مناقشة الأمر من وجهة نظر طبية أو نفسية أو حتى دينية، ولن أدعي حيادا في هذا الشأن، لأن رأيي الشخصي في الأمر ليس محايدا على الإطلاق، وربما سوف يجده المتنورون من مناصري حركات التحرر والانفتاح  تخلفا ورجعية، فليكن(!) قليل من التخلف لن يضر.  

ومن المعروف أن المثليين النشطاء في الأردن على اتصال دائم بمؤسسات معنية في الغرب لنجدتهم من استبداد مجتمعاتهم المتخلفة كونهم  ضحايا رأي! ليس ذلك فحسب بل إن طلبات الهجرة المقدمة من قبل بعضهم، تفيد بأن طالب الهجرة إلى كندا أو أميركا أو استراليا، هو مثلي مضطهد! 

وفي الوقت الذي يستند هؤلاء إلى مبدأ الحرية الشخصية، وحرية الاعتقاد والسلوك، فإنهم يعتبرون كل من يرفض  أسلوبهم الحياتي مريضا نفسيا بحاجة إلى علاج سريع، وقد ابتدعت عبقرية علم النفس الحديث، مرضا جديداً يتشابه من حيث سطوته الإعلامية ومرض العداء للسامية! مرض عضال لا شفاء منه، وبموجبه يصنف  كل من يشمئز من فكرة الشذوذ الجنسي كمصاب برهاب المثلية، ويذهبون بعيدا في مصادرة حق الأسوياء من خلق  الله  في الاعتزاز  بهوية جنسية واضحة المعالم، ويصرون على أن ثمة مثلية كامنة في الجميع.

وإذا بصمنا بأن ميول وأهواء ورغبات المرء هي مسألة  شخصية جدا غير قابلة للنقاش أو للإدانة، لماذا إذن يحرص هؤلاء على اكتساب إقرار المجتمع وانتزاع المشروعية من خلال الإعلان والترويج، وإذا كان شذوذهم شأنا شخصيا محضا، لماذا الإصرار على "الزعبرة" وتعميم التجربة الفذة على أجيال صاعدة معرّضة للتأثر السريع بالأفكار ذات الطبيعة المتطرفة سعيا إلى التمرد والاختلاف.

وإذا أصبحنا حضاريين جدلا، وتقبلناهم بشكل طبيعي كما يطمحون، لا بد أن نحدد أين تتوقف المسألة، وأين الحدود  الفاصلة بين مبدأ الحرية الشخصية في التعبير عن السلوك المثلي، وبين ممارسة الدعارة المثلية وهو نشاط رائج جدا، ويستطيع المواطن العمّاني العادي وبأم العين رصد مشاهد مخجلة ضمن هذا السياق في بعض أبرز شوارع العاصمة.

وماذا عن المتحرشين بالأطفال؟ أليس ذلك ميل فطري وهرموني موجود في تركيبتهم النفسية كذلك، لماذا نرفضهم إذا  بكل جوارحنا؟ ونطالب بأبشع الميتات بحقهم.  

ولماذا ينكر المثليون أن الكثير منهم كانوا كأطفال ضحايا لتحرش جنسي أدى إلى التباس هويتهم الجنسية فيما بعد،، أو كانوا ضحايا لعلاقة مضطربة مع أحد الوالدين، أو كلاهما قادتهم إلى درب الانحراف كسلوك تعويضي عن حرمان عاطفي مبكر، ولماذا يتجاهلون ثبوت ارتباط مسلكهم الجنسي بأمراض قاتلة ومعدية، علاوة على الآثار النفسية والعاطفية المدمرة الناتجة عن نمط حياتهم الملتبس.

 حتى في الغرب فإن المواطن العادي لن يكون سعيدا إذا تبين أن أحد أولاده مثليا، وفي معزل عن الماكينة الإعلامية المضللة التي تبرز المثليين بشكل شديد الجاذبية، فإن الغربي العادي المتعب المثقل بهموم معيشية كثيرة، الغربي الذي تصادفه في الشارع، وليس في حفلات الروك والفيديو كليب والأفلام ودعايات العطر، فإنه يكنّ احتقارا دفينا للشواذ غير أنه لا يجرؤ على التعبير عنه بسبب صرامة القوانين على هذا الصعيد.

ما يغيظني حقا موقف البعض لدينا من فئة الحضاريين "والكوول" المفتعل جدا، فيدافع بحماس عن منطقهم، ويدعي أنه لا يحمل أي إدانة لهم، استنادا على احترام الخصوصية، رغم أنها غير مصانة من قبلهم!  

وفي ظني أن هذا الطرح لا يعدو كونه مجرد ادعاءات وملاحقة للموضة والصرعات العالمية، وسيظل الواحد منهم  مسترخيا في التنظير، حتى إذا تعلق الموضوع بأولاده، عندها سوف يختلف رد الفعل بشكل كلي، وقد يندم على ساعة قرر فيها التخلص من شبهة الجمود والرجعية، وسيتفق معي والحالة هذه على أن قليلاً من التخلف لن يضر!

[email protected]