ما الذي يمنع إنشاء ساحات آمنة للاحتجاج السلمي؟

مسيرة جماهيرية بعمان أول من أمس - (تصوير: أمير خليفة)
مسيرة جماهيرية بعمان أول من أمس - (تصوير: أمير خليفة)

هديل غبّون

عمّان - في العام 2006، طرح وزير التنمية السياسية آنذاك، صبري ربيحات، توجه الحكومة لتأسيس "ساحة للحرية"، على نمط حديقة هايد بارك في لندن، وأكد حينها أن الوزارة ستنجز المشروع "كفكرة رائدة" بالتعاون مع المجتمع المدني، لكن الفكرة لم تر النور حتى يومنا هذا أو تطرح للنقاش.

اضافة اعلان


وفي العام 2011، أدخلت الحكومة تعديلات أساسية على قانون الاجتماعات العامة، اعتبرت آنذاك خطوة نحو الأمام، إثر إزالة شرط الموافقة على تنظيم حق التجمع السلمي، واستبداله بإشعار الحاكم الاداري قبل 48 ساعة.


وبعد أكثر من 10 أعوام على هذا التعديل، تعرض حق التجمع السلمي خلالها لانتهاكات جسيمة، وعشرات قرارات المنع من التظاهر بلغت ذروتها في اعتصام المعلمين قبل عامين، فيما فرضت سياجات حديدية على ميادين الرابع والداخلية وساحة المسجد الكالوتي، لمنع أي تظاهرات، واقتصرت منطقة الجامع الحسيني على التظاهر في الآونة الأخيرة.


ويعد اليوم، قانون الاجتماعات العامة لسنة 2011، قانونا قاصرا على استيعاب حق التجمع السلمي وهو حق دستوري، نظمته أيضا المواثيق الدولية، كالمادة 21 في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صادق الأردن عليه في 28 أيار (مايو) 1975. عزز هذا القصور قانون الدفاع وأوامره.


ومع تزايد تلك القيود، ترى أوساط حقوقية بأن تنظيم حق التجمع السلمي يستوجب مراعاة معايير حقوق الإنسان، وقوننة أية بنود متعلقة بهذا الحق، وتبرير أي حالات "تقييد أو حظر" من قبل سلطات إنفاذ القانون، دون التأثير على الغايات من التجمعات السلمية، وإن كان في محيط مواقع حيوية وحساسة من برلمانات أو مقرات رئاسية، أو تخصيص مساحات "آمنة" أو حرم آمنة، أمام أي مرفق من المرافق العامة للدولة.


وتقول الخبيرة الحقوقية والقانونية الدكتور نهلا المومني، إن هناك عدة إشكاليات تتعلق بالتشريعات المحلية بشأن التجمع السلمي، مصحوبة بالممارسات والسياسات المتبعة، من أهمها تنظيم حق التجمع السلمي، الذي تنظمه تعليمات صدرت، بموجب المادة 11 من قانون الاجتماعات العامة لسنة 2011.


وتوضح المومني في حديث لـ"الغد"، أن هذه التعليمات تنص على التقيد بالزمان والمكان لمن قدم طلب إشعار تنفيذ مسيرة أو وقفة سلمية، وتضمنت عدة محددات منها، عدم حمل الأسلحة أو الأدوات الحادة، وعدم عرقلة حركة السير أو عدم التعرض للمنشآت العامة أو الخاصة، وعدم السماح لأي كان بالإخلال بالأمن أو النظام داخل أماكن هذه الاجتماعات.


ولفتت المومني، إلى عدم جوازية تنظيم حق التجمع السلمي في إطار تعليمات تنفيذية، وقالت "ووفقا للدستور والمعايير الدولية، لابد من تنظيم حق التجمع السلمي، وفق نصوص قانونية".


معتبرة ان "هذه التعليمات تضيف قيودا غير واردة في القانون، ولايجوز للتعليمات أن تستحدث أي نقطة قانونية جديدة".


وفي الإطار ذاته، رأت المومني أن القانون الدولي لم يغفل السماح للسلطات بوضع قيود على "التجمعات"، بالعموم دون المساس "بالحق" بحد ذاته، عبر خلق مساحات أو حرم آمنة أمام المرافق العامة، أو تخصيص أماكن محددة للتجمع مشروطة بعدة معايير، فسرها بوضوح التعليق رقم 37 للجنة المكلفة بمراقبة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهو من ضمن التعليقات العامة المهمة للجنة المكلفة، واستندت فيه إلى المادة 21 من العهد.


وقالت المومني "التعليق رقم 37 وضع ملامح ومعايير لحق التجمع السلمي، ولأي قيود متعلقة به، ومن حيث المبدأ أكد التعليق على أن الدول عليها واجبات معينة لتيسير التجمعات السلمية، ومساعدة المشاركين على تحقيق أهدافهم من خلال تهيئة بيئة مواتية لممارسة هذا الحق دون تمييز، وأن تضع إطارا قانونيا يسمح بممارسة هذا الحق بفاعلية وحماية المشاركين أثناء التجمع السلمي".


أما عن المحددات الملزمة لتنظيم هذا الحق، بما لايسمح بمنعه بالمطلق، قالت المومني "إن أهمها أن تبرر السلطات تلك القيود، وأن تكون في حدها الأدنى، إضافة إلى ضرورة إثباتها، عدا أن يكون هذ التقييد لهدف مشروع بشكل واضح وضروري، ويتناسب مع الحالة القائمة، وفق قاعدة الضرورة والتناسب".


كما أوجبت المعايير الدولية، أن تكون أية قيود "غير تمييزية"، ولا تمس بجوهر الحق، أو أن يكون الهدف من القيد "منع إقامة الاحتجاج" أو إعاقة هذه التجمعات السلمية أو لهذه القيود تأثيرات سلبية على التجمعات وتحقيق غاياتها"، وفقا للمومني.


وأوضحت، "يجوز للسلطات تنظيم مكان التجمع السلمي وفقا للمعايير اعلاه، إضافة إلى شروط أخرى منها، السماح بعقد التجمعات على مرأى ومسمع من الجمهور وفي المواقع التي تحقق الغرض منها هذا من ناحية، ولايجوز إبعاد التجمعات إلى مناطق نائية".


وأشارت المومني إلى أن هناك تشريعات مقاربة نظمت حق التجمع السلمي في تجارب دولية عديدة، وأن بعضها انتهج تخصيص حرم آمن أمام المواقع الحيوية مثل المقار الرئاسية والمجالس النيابية ومقرات المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية، حتى المنشآت الحكومية والعسكرية والأمنية والمحاكم والمستشفيات والمطارات وغيرها من المرافق العام، وحددت هذا النطاق وحظرت على المشاركين تجاوز نطاق هذا الحرم.


كما لفتت المومني، إلى أن تطبيقات تشريعات عديدة لجأت إلى "حظر" أماكن معينة أمام المستشفيات أو أمام دور العبادة، قانونيا، لكن مع مراعاة محددات خاصة ومبررات واضحة.


ويقع على عاتق السلطات، "تبرير القيود المفروضة على كل حالة بشكل منفصل بمعنى أنه يجب تبرير الحظر، والسماح لتنظيم الاحتجاجات في مواقع مهمة تحقق الغرض منها وفي الأماكن التي يمكن للجمهور الوصول لها الاماكن لها أو التي ينبغي أن تتاح له إمكانية الوصول لها مثل الساحات العامة أيضا، ومحيط البرلمانات والمحاكم والمواقع ذات الاهمية التاريخية والمواقع الرسمية.


وتنص المادة 21 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، "على أن يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به، ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".

إقرأ المزيد :