مخاطر العملية العسكرية التركية في سورية على الأمن العالمي!

قوات عسكرية تركية أثناء توغل في الشمال السوري - (أرشيفية)
قوات عسكرية تركية أثناء توغل في الشمال السوري - (أرشيفية)
بدران جيا كرد* - (أحوال تركية) 16/6/2022 التهديدات التركية اليومية باحتلال مناطق جديدة في شمال وشرق سورية، والقصف اليومي العشوائي الذي يطال المدنيين وقراهم، والذي أسفر مؤخراً عن مقتل عائلات كاملة، يؤدي إلى تداعيات كارثية، إنسانيا وسياسيا وأمنيا، إلى جانب الأزمات الاقتصادية التي تعيشها المنطقة جراء ظروف الحرب والحصار. ومن المؤسف بما يكفي أن الذين شاركوا في العمليات العسكرية السابقة التي نفذتها آلة الحرب التركية بالاعتماد على ما يسمى بـ"الجيش الوطني"، هم من أبناء الشعب السوري. وقد ارتضى هؤلاء أن يتحولوا إلى أدوات في مخططات الحرب التي يقوم عليها التحالف الحاكم في تركيا، حزبا العدالة والتنمية والحركة الوطنية -وليس فقط في سورية، ولكن في مناطق أخرى. ويسهم عملهم في تعميق الخلافات والانقسامات بين المكونات الوطنية، وانتشار الحروب والصراعات، ودعم المنظمات الجهادية التكفيرية، وهو مخطط لا يصب، في نهاية المطاف، في صالح تركيا نفسها، ولا في صالح الشعب التركي الذي لن يرضى أن يكون سبباً في إثارة الفوضى ودعم الإرهاب، الأمر الذي قد ينعكس عليه داخليا. ويخاف تحالف العدالة والتنمية والحركة القومية الحاكم من هذه النقطة تحديداً، أي تراجع شعبيته بين قطاعات الشعب في تركيا، وخسارة الانتخابات، وبالتالي بدء المحاسبة عن كل مُخرجات المرحلة السابقة من جرائم بحق المدنيين، ودعم الإرهابيين، وملفات الفساد والتربح من المال العام. إن من يتابع الحجج التي تسوقها حكومة تحالف أردوغان-بهجلي حول الاحتلال العسكري لمناطق سورية جديدة، التي تقول إن "هذه المنطقة تشكل خطراً أمنياً على تركيا"، وإنها تريد "توطين اللاجئين السوريين فيها"، يكتشف فوراً زيف هذه الادعاءات ومجافاتها للحقيقة. ذلك أن الإدارة الذاتية التي تمارسها قوات سورية الديمقراطية لشمال وشرق سورية لم تشكل يوماً خطراً على تركيا أو أي دولة أخرى. ولم تعمد هذه الإدارة إلى الهجوم على تركيا، أو اجتياز الحدود أو إطلاق رصاصة واحدة. بل إنها عبرت دائما عن احترامها لسيادة الدول والحدود القائمة، وقامت بكل الخطوات التي من شأنها توطيد السلام والأمن في المناطق الحدودية. كما أن المزاعم التي تسوقها حكومة الحرب الحالية في تركيا عن أن الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية، التي شكلها الكرد والعرب والسريان وبقية المكونات على أساس عقد اجتماعي مبنى على أخوة الشعب والتعاون والتقبل المشترك، هي إدارة "انفصالية"، وهذا افتراء واضح يجافي الواقع وما يجري على الأرض. إنها ليست ادارة "انفصالية" بل إدارة وحدوية بنتها كل مكونات المنطقة، وتعاونت على حمايتها من الإرهاب الداعشي، وقدمت أرواح أكثر من 11 ألف شهيد من أبنائها صوناً لها. إن مكونات شمال وشرق سورية حمت وحدة هذه المنطقة من سورية، وحاربت الغريب الآتي لفرض أجندة تدميرية وثقافة غريبة عن ثقافة سكان المنطقة، وحافظت على السلم الأهلي وعلى سلامة هذا الجزء العزيز من سورية. إن من يقوض الأمن والأمان ومن ينشر الحرب والاقتتال بين المكونات هي سياسة حكومة أردوغان-بهجلي في دعم الإرهابيين والمرتزقة الذين يحتلون المناطق ويهجّرون أهلها، ويفرضون عليها واقع فوضى وخطف وأتاوات، بعد أن يحولوها إلى مناطق سيطرة لأمراء الحرب، حيث يأخذ كل أمير ميليشيا منطقة ويحكم أهلها بقانون الغاب، حيث الخطب والترويع والمصادرة والاغتصاب، كما حدث ويحدث الآن في عفرين وسري كانيه/ رأس العين، وتل أبيض وغيرها. إن هذه الميليشيات هي التي تقسم سورية من خلال تقسيمها لتلك المناطق بينها، والعمل على التغيير الديموغرافي بطرد المواطنين الكرد وإسكان أناس آخرين مكانهم. كما أن المزاعم عن "خلق منطقة آمنة وتوطين اللاجئين فيها" لا أساس لها من الصحة. فالمنطقة الآمنة موجودة الآن ويحكمها ويديرها أهلها. والحملات العسكرية وعمليات القصف العشوائي للمدنيين، وجرائم التهجير والاغتيال والخطف ومصادرة الأراضي والبيوت، لا تخلق "منطقة آمنة"، بل تخلق منطقة دمار وتخريب وتهجير، وتسهم في ظهور مئات الآلاف من المهجرين الجدد الذين يفرون من آلة الحرب التركية ومن جرائم الميليشيات الخارجة عن القانون، ومن انتهاكات قادتها من أمراء الحرب. كان هذا هو ما حصل في عفرين وسري كانيه بعد الاحتلال والتهجير. وقد فر مئات الآلاف من المواطنين الآمنين من الحرب والقصف والقتل، وتحولوا بين يوم وآخر إلى مهجرين ولاجئين. لقد خلق الاحتلال التركي لاجئين جدداً ولم يحل أزمة اللاجئين على الإطلاق. ومن الواضح أن الهدف هو تهجير المكون الكردي من تلك المناطق، وتوطين عوائل المرتزقة مكانهم، وللأسف هذا المشروع اللاإنساني القائم على التهجير والتغيير الديموغرافي على أساس قومي، أي التطهير العرقي، يحدث بمساعدة دول من المنطقة، حيث تسهم الجمعيات التكفيرية فيها في تسديد ثمن بناء بيوت لعوائل الجهاديين والتكفيريين في عفرين وغيرها. ولا شك في أن تكريس واقع التطهير العرقي هو جريمة من الجرائم بحق الإنسانية، تماماً مثل الاحتلال العسكري والتطهير العرقي. يمكن تلخيص التداعيات الكارثية لأي هجوم تركي على شمال شرق سورية بالنقاط الآتية: - تقويض الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب وإتاحة فرص ثمينة لا تعوض لتنظيم "داعش" لإعادة السيطرة على المناطق جغرافيا، وبالتالي انتقاله عبر تركيا إلى مناطق أخرى. وهذا هو الهدف الأساسي لتركيا، حيث يتم تحريرهم من السجون وإعادة عوائلهم وأطفالهم إلى تركيا كما حصل في مخيم عين عيسى أثناء الهجوم التركي على سري كانية وتل أبيض. - التسبب في هجرة جماعية أكبر من تلك التي سببتها حملات الحرب السابقة، لكون تلك المناطق تحتضن عدداً كبيراً من نازحي المناطق التي احتلت سابقا، إضافة إلى سكانها الأصليين. وسيزداد العبء على المجتمع الدولي بسبب موجات الهجرة الكبيرة. - تعقيد الأزمة السورية أكثر وأكثر مع احتلال المزيد من الأراضي السورية، مما سيؤدي الى التقسيم والتشتيت وصعوبة التوصل إلى الحلول السياسية. - القضاء على التنوع الثقافي العرقي أو الديني من خلال جلب عوائل المقاتلين الأجانب والمهجرين من المناطق الأخرى لإسكانهم في مناطقنا المحتلة، وبالتالي إعادة هندسة التركيبة السكانية لتلك المنطقة حسب خطة أردوغان المزعومة لإنشاء "منطقة آمنة" على طول الخط الحدودي، بهدف تغيير هوية المنطقة الثقافية التاريخية. وهذا يشكل خرقا للقانون الدولي وانتهاكاً لكل العهود والمواثيق، وهو جريمة حرب وفق تعريف القانون الدولي. - تحول تلك المناطق إلى أماكن استخدمتها المجموعات الإرهابية -وخاصة "داعش"- كجبهات خلفية لنشاطاتها الإرهابية، سواء ضد مناطقنا أو ضد أوروبا والشرق الأوسط. وكان هذا ما ثبت خلال هجومهما الأخير على سجن الحسكة. - إخراج اللاجئين السوريين قسرًا من تركيا وإسكانهم في مستوطنات في المناطق المحتلة رغم إرادتهم وليس بشكل طوعي كما تدعي حكومة أردوغان التيتريد أن تلعب بورقة اللاجئين السوريين ضد معارضيها في المعركة الانتخابية. - إنشاء إمارة إسلامية سنية حليفة لنظام الحكم في تركيا وفرضه كجزء من الحل على مستقبل سورية. إن المجتمع الدولي مطالب اليوم بالتدخل لمنع أي حرب مقبلة وأي عملية احتلال جديدة يحضر لها تحالف العدالة والتنمية والحركة القومية العنصرية، الذي يريد استغلال الحرب في أوكرانيا، ورغبة كل من السويد وفنلندا بالانضمام إلى حلف (الناتو)، بغية شرعنة حربه الجديدة في شمال وشرق سورية، واحتلال المناطق هناك وتهجير سكانها. وعلى المجتمع الدولي -وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية- ألا يرضخ للابتزازات والضغوط التي تمارسها الحكومة التركية، بل المطلوب هو رفض سياسة الحرب، وممارسة الضغوط والعقوبات على نظام أردوغان-بهجلي، لدفعه إلى التخلي عن سياسة الحرب ودعم الإرهاب الجهادي التكفيري، ووقف مساعدة الميليشيات الإرهابية والانسحاب من عفرين وسري كانيه وغيرها من المناطق السورية المحتلة. هذه مسؤولية يتحملها المجتمع الدولي بأكمله تجاه ما يجري في مناطقنا، من دول وحكومات ومنظمات دولية. وإلا فكيف يمكن تفسير تحدي أردوغان لإرادة المجتمع الدولي من دون رادع، وحيث يرى لا عائق أمامه لتحقيق ماربه؟ كان هذا ما صرح به علنا حيث أقر بأنه لا يستأذن أحداً للقيام بالعملية العسكرية، هذا التحرك التركي المارق الذي يتجاوز كل القوانين الدولية وينتهكها على مرأى من الجميع. إننا مستعدون للحوار مع المجتمع الدولي، وخاصة قوى التحالف ضد الإرهاب؛ حيث إن لنا مصالح مشتركة في محاربة الإرهاب وتأمين الاستقرار في المناطق التي دحرت "داعش". كانت هزيمة "داعش" بالتعاون مع التحالف الدولي مكسبا لكل المجتمع الدولي. ولذلك يجب الدفاع عن هذه المكتسبات بشتى الوسائل الممكنة، وتحويل هذه البقعة الجغرافية التي هزمت "داعش" إلى نموذج للتعايش وحماية الحريات والحقوق، ونواة للحل السياسي في كامل سورية. *بدران جيا كرد: نائب الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريةاضافة اعلان