"مسافرو الحرب".. الحلم سلاح يتخطى الواقع وبشاعته

إسراء الردايدة

عمان- الشتبث بالأمل والحلم هو الوسيلة الوحيدة للبدء من جديد، بالرغم من الموت المحيط، والذي يقوض كل الأسس المكونة للحياة التي يمكن أن تولد، خاصة تلك التي ترتبط بما بعد الحرب، الدمار، التشرد والخوف والألم، كلها عناصر ومشاهد صعبة تبرز الرغبة والإرادة في العيش قدمها المخرج السوري جود سعيد في فيلمه "مسافرو الحرب".

اضافة اعلان

عرض الفيلم الذي جاء في إطار ليالي الفيلم العربي الذي تنظمة لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، ينتمي لأفلام الطريق الذي فيه الترحال مستمر من خلال شخوصه، فالاولى رحلة خاصة لبهاء "الممثل أيمن زيدان"، وهو رجل متقاعد يعيش في حلب ويحلم بالعودة لمسقط رأسه وقريته، وإنشاء مسمكة بتعويضات تقاعده. والرحلة الأخرى هي رحلة لأحلام السوريين، بهدف الخلاص من كل الأوضاع الصعبة التي حلت بهم بعد الحرب، شخصيات مختلفة هاربة من مدن تدمرت جراء الحرب، باحثين عن مساحة آمنة، إذ يوجه المخرج العديد من التساؤلات، ومنها، متى سيستمر هذا؟ ومتى سينتهي؟.

جود الذي يسافر في فيلمه لأحلام السوريين، يرتبط بالعموم أيضا بحال المنطقة والحروب الدائرة بها، وليست سورية وحسب، فأفلامه التي قدمت للحرب بدءا من "بانتظار الخريف" و "مطر حمص" غاصت جميعها في معاناة الحروب مباشرة بمناطقها وأفرادها، فيما كان لفيلمه "رجل وثلاثة أيام" معالجة بصرية خاصة، وبطريقة اسثثنائية لا تخلو من السخرية والفانتازيا من خلال أبطاله وقضيته نفسها.

ويشارك في الفيلم الى جانب زيدان كل من الفنانين: لجين إسماعيل، لينا حوارنة، حسين عباس، لمى الحكيم، طارق عبدو، كرم الشعراني، وسوزان الوز.

"مسافرو الحرب" الذي يكشف وجها آخر لهذه الحرب، عمل على إعادة بناء مدينة خيالية عاشها بهاء في حلمه الذي تمنى فيه عودة حلب لحالها كما كانت، ويضيء بيوتها بالكهرباء، وتدفق المياه في مواسيرها، وتستعيد البيوت المهمدة ساكنيها الذين هجروها.

ويظهر الفيلم حالة ترحال مستمرة وحركة لا تتوقف تكررت في ثلاثة أعمال له، منها "رجل وثلاثة أيام" وحتى " مطر حمص" ويبين المخرج سعيد لـ "الغد" بقوله، هذا مرتبط بحقيقة كوننا شعوبا لم تعرف الاستقرار حتى هذه اللحظة، لم نستطع تكوين مجتمعات حاضنة آمنة لأفرادها، وما نزال نرتحل، والدليل بحسبه، "أننا نعيد انتاج حروبنا مرات ومرات دون أن نعرف أسبابها".
وفيما يحمل "مسافرو الحرب" مشاهد تهكم وسخرية من الوضع الذي آلت إليه مدينة حلب، وبها صور من مشاهد الخراب الكامل والسكون بالرغم من بقاء البعض فيها، حيث تحولت لأنقاض، أوجد المخرج سعيد مساحة كافية من خلال حلم شخصيته الرئيسية التي منحت أملا للشخوص الاخرى كي تشاركه الحلم، مستخدما حس الفكاهة التي تميل للسوداوية بهدف التحرر من بشاعة الواقع وقساوة الحرب.
وبرمزية واضحة مثل: انقطاع الكهرباء، البيوت الفارغة، الدمار، الصمت ومنظر الناس وهم يرحلون من مكان لآخر هربا من القصف والحرب، جعل من الحب والأمل علاجا للمشكلة، الى جانب تناول ممارسات فردية للهمينة والسيطرة، والاستفادة من الأوضاع واستغلال حاجات متضرري الحرب، ليكشف كيف للطمع والمصلحة الخاصة أن تهدم وتبدد أي أمل في إعادة البناء والخروج من تلك الحالة، وهي مرتبطة بحقيقة الوضع القائمة بين أطراف الحرب المتعددة التي تتعارض مع مصالحها.
فبين حلم بهاء بالعودة لقريته في حلب، ورحلته التي كانت مجرد حلم، وهروب الشخصيات الاخرى بخلاف قصصها التي تمحورت أيضا حول الحرب والخوف، تتواجد تلك المشاعر الدافئة بين الامل والحب التي يحملها كل شخص داخله، الحاجة للشعور بالآمان والعيش بسلام واستعادة الطمأنينة، وهي كلها دوافعهم للتحرر من ذلك الواقع المرير.
فهل يحمل الفيلم رسالة ما؟، يقول سعيد، "أنه كمخرج يقدم فيلما، لأنه أراد ذلك وفق ما يراه، فالفن يتعلق بما يكتنز بداخلنا من أسئلة، وما يتحرك بعقولنا من إشارات استفهام، ومن آلام وأفراح، وبالنسبة له يعيد هذه التركيبة بصيغة دقائق سينمائية".
ويضيف، من يريد صنع أفلام محملة بالرسائل، فهل يعمل بالبريد؟ أو ينشأ حسابات خاصة عبر الأيميل؟.
و"مسافرو الحرب" يتحدث عن الموت والحياة بطريقته الخاصة، فالموت لا يتربط بموارة الجسد تحت التراب أو خروج الروح، بل هو موت أسوأ حيث يعيش الفرد محطما، خائفا يأسا محبطا دون أمل، والحياة تمثلت هنا بإيجاد مساحة للعيش من خلال الحلم، برغم كل القساوة والبشاعة المحيطة، فالحياة هي الحب الذي نحمله بداخلنا ما يكفينا للمضي قدما رغم كل الصعوبات، وهي الروابط الاجتماعية مع من نقابلهم، مبنية على أسس إنسانية يشتد عودها من خلال المعاناة نفسها، وتشارك اللحظات للخروج من الأوضاع الراهنة.
ولا يتوقف المرء عند هذا الحد، فسعيد من خلال أفلامه ينتنقل بين المدن السورية التي حل بها الدمار والخراب، ويلتقط روحها للتعبير عن مأساتها، وباحثا عن الحياة من تحت أنقاضها.
ففي "مطر حمص" مثلا قدم عملا مشابها لفيلمه هذا، وهو الكوميديا السوداء والسخرية، ملخصا الوضع في سورية، والتشبث بالحياة، ووصف الجنون للحرب ومن يخوضها، فهنالك دائما موت محيط يغتال الأمل.
وهو ما كرره هنا في "مسافرو الحرب"، حيث أنهى الحلم بطريقة مأساوية صادمة تركت الجمهور في حالة ذهول وحزن بعد أن حملهم في رحلة جميلة حالمة تفيض بالأمل، رغم الحروب وبشاعتها.
وسعيد الذي يكتب ويخرج أفلامه وأحيانا يظهر بها، يبين أن سينما المؤلف معروفة في هذه الصناعة، ومشاركته للفنان أيمن زيدان وآخرين غيره مرتبط بالمشاركة الفنية كنوع من الاستشارات الفنية والمساهمة في الكتابة، فيما تبقى الأفكار دائما ملكه، والأمر نفسه ينطبق على تكرار الوجوه التي عمل معها مثل: زيدان الذي عمل معه في هذا الفيلم، وفي فيلم "درب السما" الذي لم يعرض بعد، وهنالك أيضا الممثل محمد الأحمد، وحسين عباس، وآخرون، وهي شراكات متكررة بالصدفة جاءت من أجل العمل، وتخدم مصلحته.

مشاهد من الفيلم- (من المصدر)