نساء الروهينغا يواجهن مزيدا من المعاناة

فتيات من الروهينغا يحملن أواني المياه في مخيم للاجئين في بنغلاديش - (أرشيفية)
فتيات من الروهينغا يحملن أواني المياه في مخيم للاجئين في بنغلاديش - (أرشيفية)

هاورد لافرانشي - (كرستان سينس مونيتور) 24/11/2017

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

وفق الأمم المتحدة، فإن كل مئات آلاف النساء الهاربات من ميانمار تقريباً، نجون من اعتداء جنسي أو تعرضن له. وتقول وكالات الإغاثة أن استجابتها أعيقت بسبب خفض التمويل الأميركي وتراجع القيادة الإنسانية.
*   *   *
يأتي الهروب الجماعي لمجموعة الروهينغا المقموعة منذ أمد طويل في ميانمار مطابقاً لنموذج مريع من حالات التشريد الأخرى للسكان -الأيزيديين في العراق، والسوريين الهاربين بالملايين من الحرب الأهلية، وطالبات المدارس المستهدفات من مجموعة باكو حرام الإرهابية في نيجيريا- حيث تتعاظم انتهاكات حقوق الإنسان المرعبة في حق هؤلاء المستهدفين وتكون أكثر فداحة فقط في حالة النساء والفتيات.
اعتبرت الأمم المتحدة القمع والتشريد الممنهجين ضد أكثر من 600.000 إثني روهنغي –وهم مسلمون يعيشون من دون حتى الحقوق الأساسية في بلد ذي أغلبية بوذية- "حالة مطابقة تماماً لتعريف التطهير العرقي". ويوم الأربعاء في الأسبوع الماضي، صادق وزير الخارجية الأميركي ريك تيلرسون، على ذلك الوصف، وقال مسؤولون رفيعون في الوزارة إن الهدف من تأكيد الولايات المتحدة على صفة "التطهير العرقي" هو "الإعراب عن شعورنا بخطورة الوضع".
ويهدف الوصف إلى "ممارسة ضغط على الجيش في بورما" الاسم الآخر لميانمار "للعمل بسرعة" على تأمين الأوضاع في ولاية راخين حيث يعيش الروهينغا وجعل عودتهم ممكنة، كما قال المسؤولون. وكانت الغالبية العظمى من الروهينغا المشردين قد فروا إلى المخيمات العشوائية في بنغلاديش المجاورة. ويوم الخميس الماضي، أعلنت حكومتا ميانمار وبنغلاديش عن توصلهما إلى "ترتيب" للبدء في عملية إعادة اللاجئين خلال شهرين. لكنهما لم تعطيا أي تفصيلات أخرى، في حين حذر ناشطون في حقوق الإنسان، وقد لاحظوا أن الروهينغا يستمرون في التدفق على المخيمات بأعداد ضخمة يومياً- من أن أي عمليات إعادة لن تبدأ قبل التأكد من استتباب الأوضاع الأمنية في راخين بطريقة يمكن التحقق منها.
في الأثناء، تحذر الولايات المتحدة أيضاً من أنه ما يزال باستطاعتها التحرك لفرض "عقوبات مستهدفة" ضد مرتكبي ما تقول إنه عنف "منظم ومخطط وممنهج" ضد قرى الروهينغا في آب (أغسطس) الماضي، والذي تسبب بموجة التشريد الجماعي.
وكانت القوات الأمنية في ميانمار قد نفذت ما وصفتها بأنها "عمليات تطهير" بعد أن شنت مجموعة متطرفة من الروهينغا هجمات منسقة ضد عشرات من مراكز الشرطة والجيش.
ولكن، بقدر ما هي الأوضاع سيئة بالنسبة للروهينغا بشكل عام، فإن النساء والفتيات يواجهن إرهاباً مضافاً يتمثل في الاعتداء الجنسي واسع الانتشار -حيث استنتجت الأم المتحدة مؤخراً أن كل أنثى تقريباً من أصل مئات آلاف الهاربات من ميانمار، غالباً إلى بنغلاديش المجاورة، قد نجت من –أو تعرضت لنوع من الاعتداء الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك آلاف من النساء المشردات الحوامل اللواتي يواجهن احتمال الولادة في ظروف مهددة للحياة، بينما شاهدت الكثيرات أزواجهن أو أبناءهن البالغين وهم يقتلون.
والآن، يؤكد بعض مسؤولي الأمم المتحدة وخبراء حقوق الإنسان أن الظروف المرعبة التي تواجهها نساء وفتيات الروهينغا قد ازدادت سوءاً بسبب وقف التمويل الأميركي لبرامج الأمم المتحدة التي تقدم خدمات خاصة للنساء من السكان المشردين.
تقول يوغوشي دانيلز، مسؤولة الاستجابة الإنسانية في صندوق السكان التابع للأمم المتحدة: "نحن ممنوعون من تلقي أي أموال من الحكومة الأميركية، وهو ما يتسبب في تأثير كبير". ويعني انسحاب المصدر الذي كان قبل هذا العام يحتل المركز رقم واحد في تمويل صندوق السكان التابع للأمم المتحدة "أن لا تحصل النساء والفتيات على الخدمات التي يحتجن إليها" في البيئة عالية المخاطر التي يواجهنها وهن يهربن من ميانمار.
تقول السيدة دانيلز إن غياب الولايات المتحدة كمدافع شرس ومزود للنساء والفتيات في أزمة إنسانية مثل أزمة الروهينغا، يعني أن الإساءات المحددة التي تواجهها النساء والفتيات، مثل العنف المستند إلى الجنس، لا تحظى بنفس الاهتمام العالمي الذي تحظى به عندما تمارس الولايات المتحدة سلطتها الأخلاقية كزعيم للمجموعة الدولية.
وتضيف أن النساء والفتيات "ينحدرن أكثر في الأولوية عندما لا يعود الصوت السياسي للولايات المتحدة موجوداً".
من جهتهم، يرفض المسؤولون الأميركيون فكرة ضعف القيادة الأميركية في قضايا مثل قضية الروهينغا. وكان وزير الخارجية تيلرسون، قد أبرز إلحاح معالجة مسألة الروهينغا حين أضاف توقفاً في ميانمار في الأسبوع الماضي إلى جولته الآسيوية الطويلة أصلاً في آسيا، كما أشار المسؤولون. واعتبر تيلرسون العنف الذي خضع له الروهينغا "مرعباً"، وأعلن عن تعزيز المساعدات الأميركية المقدمة للسكان المشردين لتصل إلى 87 مليون دولار.
لكن أياً من البيانات الأخيرة لوزارة الخارجية الأميركية عن أزمة الروهينغا أو تفسيرها لتصنيف "التطهير العرقي" لم يتضمن أي ذكر خاص للعنف الجنسي بالغ التطرف، بما في ذلك الاستخدام الممنهج للاغتصاب الجماعي -الذي استشهدت به منظمة "هيومان رايتس ووتش" على أنه أداة تُستخدم لارتكاب التطهير العرقي ضد الروهينغا.
ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة وبعض ناشطي حقوق الإنسان إن سحب إدارة ترامب هذا العام مبلغ 32 مليون دولار من تمويل صندوق السكان التابع للأمم المتحدة، وكالة تخطيط العائلة التابعة للأمم المتحدة، يشكل دليلاً على أن الولايات المتحدة تنأى بنفسها عن القضايا التي تواجه النساء والفتيات في الأزمات الإنسانية.
من جهتها، تقول وزارة الخارجية الأميركية إن وقف التمويل استند إلى توجيه من الرئيس ترامب في كانون الثاني (يناير) الماضي، والذي يحظر تمويل المنظمات الدولية أو المجموعات غير الحكومية التي تقدم خدمات الإجهاض، أو تسدي النصح الذي يتضمن الإجهاض كخيار. وقال صندوق السكان التابع للأمم المتحدة في ذلك الحين أنه لا يقدم خدمات الإجهاض، لكن وزارة الخارجية الأميركية قالت إن الصندوق يقدم خدمات تخطيط العائلة في الصين، البلد الذي يلجأ بالفعل إلى عمليات إجهاض قسرية. ويقول مسؤولو الصندوق إن خفض المساعدات الأميركية يمتد ليؤثر على نساء وفتيات الروهينغا، لأن الوكالة تعتبر مزوداً رئيسياً للخدمات التي تقدم للسكان المشردين.
ويقول بيرنارد كوكلين، المسؤول الإنساني في كوكس بازار، بنغلاديش، الذي تواصلنا معه بمكالمة هاتفية رتبتها مؤسسة الأمم المتحدة في واشنطن: "نقدر أن هناك أكثر من 100.000 امرأة تواجه على نحو متزايد افتقاراً للوصول إلى الخدمات المستندة إلى الجندر". وكانت الوكالة قد نشرت حتى الآن 42 قابلة قانونية ولَّدن أكثر من 400 طفل، كما يقول السيد كوكلين. كما أنها خصصت "أماكن آمنة" للنساء والفتيات في مخيمات التجمع، ووزعت أكثر من 6.000 من "صناديق كرامة" على النساء، والتي تشتمل على الصابون ومعجون الأسنان وشراشف صحية ومصابيح إنارة.
لكن السيد كوكلين يقول إن العدد المتأرجح لضحايا العنف الجنسي زاد على قدرة الوكالة على تقديم الخدمات الطبية والاستشارية. وتقدر الوكالة أن هناك 87.000 إمرأة حامل ومرضعة بين السكان المشردين، واللواتي يتطلبن خدمات تتفاوت بين الاحتياجات النسائية قبل الولادة وبين رعاية واستشارة ما بعد الولادة.
ويقول أيضاً: "إنها عملية تستغرق الكثير من الوقت بالنسبة للنساء اللواتي خبرن ما خبرن وشاهدن ما شاهدن حتى يستعدن ثقتهن ويفكرن في نهاية المطاف بالعودة إلى منازلهن". ويضيف: "لكن العملية تستغرق في الوقت الحالي الكثير من الوقت للوصول إلى هذه الخدمات". ويقول بعض خبراء حقوق الإنسان الذين زاروا مخيمات الروهينغا المشردين إن من الواضح أن التشرد السريع للعديد من النساء والفتيات كان سبباً رئيسياً في أنهن لا يتلقين الخدمات التي تمس حاجتهن إليها. ويقول دانييل سوليفان، الناشط البارز عن حقوق الإنسان في مؤسسة اللاجئين الدولية في واشنطن: "لا، لن أقول إنه يتم الوفاء باحتياجاتهن المحددة. هذا أسرع مدى تشرد شاهدناه، ربما منذ كوسوفو" في العام 1988.
 لكن العامل الرئيسي الآخر في احتياجات النساء والفتيات التي لم تتم تلبيتها، كما يقول، هو "بالتأكيد المدى المتأرجح للعنف الجنسي الذي خبرنه وشاهدنه".
ويقول السيد سوليفان الذي زار مخيمات الروهينغا في بنغلاديش في شهر أيار (مايو) (عندما كانت الأعداد أصغر بكثير)، ثم مرة أخرى في أيلول (سبتمبر) أنه لا يستطيع ربط قلة الخدمات المقدمة لنساء وفتيات الروهينغا بخفض التمويل الأميركي، "على الرغم من إن لذلك دلالته بالنسبة لي".
لكنه يقول، من ناحية أخرى، إن تراجع الولايات المتحدة في قضايا حقوق الإنسان له أثر ملحوظ على الأرض في أزمات مثل الروهينغا. ويضيف: "ما يزال صوت الولايات المتحدة مفقوداً في ظل هذه الإدارة. ويدرك خبراء الحقوق الإنسانية على الأرض هذه الحقيقة جيداً –كما أن الناس المتأثرين بهذه الأزمات واعون جيداً- للفراغ الذي تشكَّل بخسارة هذا الصوت. إن لهذه القيادة القوية المفقودة تأثيرا واسعا، بما في ذلك على قضايا مثل قضايا النساء والفتيات".

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Rohingya women face greater magnitudes of suffering

اضافة اعلان

[email protected]