استراتيجية خليجية إزاء إيران

ضمن ردود الأفعال الصهيونية الإسرائيلية، والصهيونية الأميركية، المهاجمة والمنتقدة والمحذرة لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، بسبب اتفاقه الانتقالي مع إيران بشأن ملفها النووي، هناك الحديث عن أن أوباما يُغضب حلفاءه، وخصوصاً إسرائيل ودول الخليج العربية. والآن، وقد افتتحت القمة الخليجية في الكويت أمس، جددت أوساط قريبة من إسرائيل الحديث بطريقة تريد تصوير الخليجيين العرب وإسرائيل في كفة واحدة.اضافة اعلان
قبل أسابيع، كتب الصهيوني الأميركي دينيس روس، يدعو واشنطن إلى طمأنة دول الخليج العربية وإسرائيل بشأن إيران. والآن، يكتب سيمون هندرسون، مدير برنامج "الخليج وسياسات الطاقة" في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو المعهد المؤيد لإسرائيل، مشيرا إلى نص ثابت يعاد استخدامه في إدانة إسرائيل دائماً في القمم الخليجية، ويقول: "يغامر القادة الخليجيون بأن يظهروا منفصلين عن الواقع، إلا إذا غابت أو تلطفت، هذه المرة، الإدانة الروتينية لإسرائيل". والسبب برأيه أنّ هناك "تشابها" بين مواقف بعض دول الخليج العربية، وخصوصاً السعودية، وموقف إسرائيل، بشأن إيران. وواقع الأمر أنّ مثل هذه الدعوة تخالف المنطق، وتصب في الدعاية ضد إدارة أوباما، وفيها استخفاف بدول الخليج العربية وحكوماتها.
الإدانة الخليجية "التقليدية" لإسرائيل لا علاقة لها بإيران، وهي بسبب السياسات الإسرائيلية في الشأن الفلسطيني، وضد المحيط العربي. وإسرائيل لا تتورع عن انتهاك مصالح الدول العربية، بما فيها الخليجية؛ ومن ذلك عملية اغتيال محمود المبحوح، الناشط في حركة "حماس" أثناء تواجده في دبي العام 2010. وسياسات إسرائيل في الشأن الفلسطيني، مسؤولة عن كثير من مشاكل الأمن القومي للدول العربية؛ فحالة التوتر والغضب الشعبيين من سياسات الاحتلال الإسرائيلية، مسؤولة عن التوجه نحو التطرف لدى شرائح مجتمعية مختلفة في الدول العربية. والدوائر الصهيونية الأميركية التي تتحدث اليوم عن التقاء مصالح "خليجي عربي" مع إسرائيل بشأن إيران، هي ذاتها التي أثارت وتثير مشكلات لدول الخليج في محافل مختلفة، ومن ذلك حملات الصحافة والسياسيين ضد مشتريات وصفقات دول الخليج العربية في أوروبا والولايات المتحدة، ومثل الحملة ضد تبرع الراحل الشيخ زايد آل نهيان، رحمه الله، لجامعة هارفارد العام 2003، بكل ما صاحبها من تشويه للعرب الخليجيين. وكذلك الحملة التي أفشلت شراء شركة موانئ دبي لحقوق تشغيل ستة موانئ في الولايات المتحدة، العام 2006. وأي تحرك إسرائيلي أحادي الجانب ضد إيران قد يشكل خلطا للأوراق الأمنية لدول الخليج العربية.
يمكن أنّ يشكل كل من إسرائيل وإيران تحدياً استراتيجيا للخليجيين العرب. ولكن بقدر ما هو ساذج الطلب من هذه الدول (من قبل شرائح عربية) أن تتسامح مع إيران ومشاريعها النووية، وسياستها التوسعية ذات الصبغة الطائفية، بسبب الشعارات والمواقف التي تتبناها إيران، خطابيّاً أو فعليّا، إزاء إسرائيل، مع تناسي سياسات إيران التوسعية، فإنّه بالقدر ذاته من الاستخفاف أن يُطلب من هذه الدول تناسي سياسات إسرائيل وعدوانيتها، في سبيل التقاء مزعوم في المصالح إزاء إيران.
ليست الخطوط بين دول الخليج العربية وإيران متقطعة، والاتصالات والزيارات متكررة. وبالتالي، فإن حديث الإسرائيليين وأنصارهم عن اصطفاف خليجي-إسرائيلي هو مناورة سياسية، هدفها من جهة مهاجمة أوباما، ومن جهة أخرى إظهار أن إسرائيل مقبولة وربما مطلوبة في المنطقة، ولصرف الانتباه أيضا عن الملف الفلسطيني، وإظهاره ملفاً هامشياً في السياسات الإقليمية.
من حق دول الخليج العربية أن تطلب الحضورعلى مائدة التفاوض مع إيران. وهذا الحق يأتي على الأقل من واقع القرب الجغرافي. وربما يكون أفضل من ذلك إجراء مفاوضات مستقلة مع الإيرانيين. وقد يكون أفضل ما يمكن للقمة الخليجية الراهنة أن تفعله، هو التوصل إلى آلية حوار مشتركة جماعية مع طهران؛ فالتباين بين هذه الدول إزاء إيران معروف، ولكن الاتفاق الدولي الأخير بشأن الملف النووي، ربما يوفر فرصة لتحرك مشترك، يصوغ حتى الأجندة العالمية بشأن إيران، ويسحب البساط من تحت أقدام الدعاية الصهيونية.
لماذا لا يمكن أن نرى لقاء جماعيا بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مع نظيرهم الإيراني، في مسقط  أو الكويت أو أي مدينة عربية أو إيرانية؟

[email protected]