استقالة الحكومة واجبة

7 أشخاص فقدوا حياتهم، حتى الآن، وآخرون تضرروا كثيرا. 7 أرواح أزهقت زورا وبهتانا. إنه ثمن «بسيط» للإهمال في بلد لم يعتد محاسبة المقصرين.اضافة اعلان
ما حدث في مستشفى السلط الجديد مأساة وطنية كاملة الأركان، فأن ينقطع الأكسجين عن المرضى المتعلقة أرواحهم به، مدة تصل إلى ساعة من دون أن يكتشف أي شخص هذا الانقطاع، هو لا شك نوع من العبث الذي يؤدي إلى المأساة.
لكن، وللأسف الشديد، إنه عبث بأرواحنا، فالذين ماتوا لم يكن لهم من جريرة سوى أنهم وقعوا ضحية الترهل الإداري، ومفهوم الوظيفة العامة في بلد يؤمن أن الواسطة والمحسوبية أفضل حلول التشغيل والتوظيف، في الوظائف الدنيا والمتوسطة والعليا.
في الجانب الآخر، لا بد أن نلفت أيضا إلى أن مستشفى السلط الجديد الذي تم افتتاحه قبل عام تقريبا، تم تشغيله بنصف الكادر المطلوب، كما يقول مطلعون، إذ لم يستوف حقه بالكوادر الصحية والطبية، علاوة على أن هناك من يقول إن ثلث الكادر الموجود فيه مصاب بفيروس كورونا اليوم، ما يعني أنهم ليسوا على رأس عملهم.
هذا كله يدخل في باب الإهمال والتقصير الحكومي أولا، قبل أن تمتد اتهاماتنا للموظفين الصغار الذين يقعون دائما ضحية لمن هم أعلى رتبة منهم، ممن يكونون محميين في العادة بعيارات ثقيلة من الواسطة.
في وجداننا أن المقصرين، فعلا، لا يحاسبون. حتى اليوم ما تزال قضية ضحايا مأساة البحر الميت معلقة في الهواء، فقد تم «تمييع» القضية، حتى لم نعد نعرف ما الذي حدث بالفعل. كان من الأولى أن نلتفت لأنين أهاليهم، وأن نمنحهم بعض الطمأنينة لو أدرنا تحقيقا شفافا عادلا، ومنحناهم إجابات واضحة عن الأسئلة التي تؤرقهم، ثم حاسبنا المقصرين.
قضية أخرى لم نلجأ إلى سد باب أسئلتها الكثيرة، وقد كتبت عنها بهذه الزاوية في أيلول (سبتمبر) الماضي، وهي النقص الهائل في أطباء الاختصاص في مستشفى الأمير حمزة، آنذاك. المستشفى الذي كان قد تم إفراده لاستقبال وعلاج حالات كورونا، لم يكن يوجد فيه أي طبيب متخصص بالعناية حثيثة، ومعظم المرضى الذين وضعوا على أجهزة التنفس الاصطناعي في المستشفى توفوا لاحقا، بسبب «عدم تجهيز المستشفى بالمختصين والاستشاريين لمتابعة المرضى»، كما قال عاملون مطلعون داخل المستشفى.
حتى اليوم، لم نجر أي تحقيق في هذه الواقعة التي لا ندري كم عدد ضحاياها، وكأنما موت أي شخص جراء الإهمال هو أمر اعتيادي لا يتوجب التوقف عنده طويلا!
هذا وجه واحد من المأساة،فيما وجهها الآخر الذي يقترب من الكوميديا السوداء، هو أنه بدلا من محاسبة المقصرين في مستشفى الأمير حمزة، تم نقل مديره ليصبح مديرا لمستشفى السلط الجديد الذي شهد مأساة أمس. لا تعليق على هذا التخبط، ما دام أن الحكومات هي المقصرة في الأصل.
من الجيد أن وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات تحمل المسؤولية الأخلاقية عن الإهمال الجسيم وقدم استقالته. لكن المسؤولية الأخلاقية هذه تتعدى وزير الصحة نحو الحكومة بأكملها التي ينبغي لها أن تكترث، ولو قليلا، بأرواح الأردنيين، وأن تقدم استقالتها احتراما لمن أزهقت أرواحهم على مذبح الإهمال الحكومي والترهل واللامبالاة.
أي شخص يريد أن يعلق العدالة على مشجب لجان وفرق التحقيق، عليه أن ينظر إلى التاريخ الطويل لمثل هذه اللجان في العديد من المفاصل المهمة في بلدنا، وهو بلا شك سيعرف الجواب، فمثل هذه اللجان ليست أكثر من «مورفين» يتم تجريعه للشعب لتخفيف ألمه وهو يعيش وسط المأساة.
المطلوب اليوم استقالة الحكومة بأكملها، لكي نؤسس بالفعل للمسؤولية الأخلاقية الحقيقية التي ترى أن أرواح الأردنيين مقدسة لا يجوز المساس بها والعبث بقدسيتها.
أما إذا رفضت الحكومة تقديم استقالتها، فيتوجب على مجلس النواب أن يعمل على سحب الثقة منها تمهيدا لإقالتها. من دون ذلك سيكون نوابنا الأفاضل شركاء في المسؤولية عن الأرواح التي تم إزهاقها.
رحم الله أشقاءنا المغدورين في مستشفى السلط الجديد.. وسحقا لمن يعبث بأرواحنا.