الأخضر الإبراهيمي: صانع السلام الصبور

لخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى سورية - (أرشيفية)
لخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى سورية - (أرشيفية)

أوليفر مايلز - (الغارديان) 3/9/2012

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

 

 

أواخر الشهر الماضي، قال الممثل الجديد للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية لسورية، الأخضر الإبراهيمي متحدثاً عن مهمته في سورية، إنه يقف أمام حائط صد لا يستطيع رؤية أي شقوق فيه راهناً، وإنه يشعر بالهيبة من ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه، حيث يقتل الناس. وأضاف في تصريحه لهيئة الإذاعة البريطانية (البي. بي سي): "إننا لا نفعل الكثير". وإذن، ما هي الفكرة؟ وهل يستطيع الإبراهيمي تحقيق النجاح حيث فشل سلفه، كوفي أنان؟اضافة اعلان
أولاً: يعد الممثل الجزائري أفضل رجل للمهمة بكثير (ربما باستثناء عامل عمره -78 سنة)، وتعد خبرته في الشؤون الدولية فوق عادية. وعندما قابلته لأول مرة قبل 30 عاماً، كان أصلاً يتوافر على خبرة 16 عاماً كسفير لبلاده، بما في ذلك ثمانية أعوام في لندن، حيث كان يعتبر سفيراً متميزاً.
ومنذئذ، تبوأ العديد من المناصب في الجزائر وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة، بما فيها اضطلاعه بدور رئيسي كمبعوث خاص لجامعة الدول العربية إلى لبنان، حيث أعد اتفاق الطائف في العام 1989، الذي كان بداية لنهاية الحرب الأهلية اللبنانية. وعندما كان ممثلاً للأمم المتحدة في العراق في العام 2004 بعد الغزو الأميركي، تجاهل الأميركيون اقتراحاته التي قدمها بخصوص تشكيل حكومة عراقية، وهو ما أفضى إلى نتائج وخيمة. وشملت مهماته في صنع السلام والمحافظة عليه نيابة عن الأمم المتحدة كلاً من جنوب أفريقيا وهاييتي وبوروندي وأفغانستان.
بمراجعة الخلفيات، نرى من الواضح أن سيرة عنان الرفيعة كأمين عام سابق للأمم المتحدة كانت قد رفعت وتيرة الآمال التي لم يمكن الوفاء بها. ولا يبعث الإبراهيمي مثل هذه الآمال لأنه أقل شهرة وبسب أسلوبه، لكنه يعرف أبطال المشهد في الأزمة السورية مثلما يعرفها أنان أو أفضل منه، كما أنه يتمتع بمزية كونه عربياً -من الجزائر البعيدة. ولذلك، لا ينظر إليه على أنه منحاز تلقائياً إلى جانب ضد الآخر.
ولكن، ماذا عن حائط الصد؟ وما الذي يستطيع الإبراهيمي فعله في الحقيقة؟ طالما ظل السوريون مصممين على الاستمرار في القتال، فإن الحقيقة -مهما كانت غير مستساغة- هي أن أحداً لا يستطيع وقفهم. لكن ثمة حقيقة أخرى تقول إنه حتى الحروب الأهلية لا بد أن تضع أوزارها ذات يوم، إما لأن سفك الدماء يستمر حتى يفقد أحد الجانبين أو كلاهما القدرة على القتال؛ أو لأن الأطراف تدرك مع الوقت أنها لا تستطيع تحقيق حل عسكري، وبالتالي يجب عليها التوصل لتسوية.
وتقف الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت من العام 1975 إلى العام 1990 مثالاً على ذلك. ولبنان، بالطبع، هو جار سورية، ويشترك البلدان في الكثير من الأمور، على الرغم من أن الحرب اللبنانية كانت تنطوي على قصة مختلفة. وكان من ملامح تلك الحرب أنها شهدت أعداداً لا تحصى من اتفاقيات وقف إطلاق النار التي تم انتهاكها مرات لا تعد ولا تحصى. لكن الدرس المستقى من ذلك ليس أن اتفاقيات وقف إطلاق النار كانت عديمة الفائدة، وإنما أن القتال توقف في نهاية المطاف. وآتى صنع السلام أكله.
على الصعيد الداخلي، ثمة بعض المؤشرات على أن الحكومة السورية والثوار ربما يكونون قد شرعوا جميعاً في إدراك أن تحقيق الانتصار العسكري ليس في متناول اليد. وكان الرئيس المصري محمد مرسي قد اقترح تشكيل مجموعة اتصال حول سورية، تتكون من مصر والعربية السعودية وتركيا وإيران. ومن الممكن أن تكون هذه الخطوة مهمة، لأنها تشير إلى أن مصر ربما تكون مستعدة لاستئناف دورها كقوة إقليمية مهمة، ولأنها تظهر أيضاً أن مفهوم الهلال الشيعي والعداء المستحكم بين السنة والشيعة هي تصورات زائفها في جزئها الضخم.
ولن تكون هناك نتائج سريعة، كما أن المعلقين غير الصبورين سيحاججون بأن دور المبعوث الدولي هو جهد عديم الفائدة. ولكن، دعونا نأمل في أن تأخذ صلاحيات مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية دوراً فاعلاً.
حتى الآن، ولسواء الطالع -وبعيداً عن تكليف أنان، وراهناً الإبراهيمي- فإنهما لم يظهرا أي إشارة على رغبتهما في العمل معاً، وكان أنان محقاً عندما اتهم مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية بممارسة "تبادل الإشارة بأصابع الاتهام." ومن المعيب أن الغرب من جهة، وروسيا والصين من الجهة الأخرى، يركزون على اتهام بعضهم البعض بتسليح اطراف الصراع في سورية، بدلاً من العمل معاً لمنع وصول الأسلحة لأي من هذه الاطراف.
في نهاية المطاف، سوف يكون ثمة " شق في الحائط" وفرصة للسلام، وسيكون الإبراهيمي عيوننا التي ترى وآذاننا التي تسمع ليلمح هذا الشق عندما يشرع بالظهور.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Ladkhdar Brahimi the Patient peacemaker

[email protected]