الاتحاد الأوروبي والعلاجات العقيمة

دانييل جروس*
بروكسل ـ تُرى هل اقتربت أزمة اليورو من الحل؟ لقد وعد زعماء أوروبا بوضع حزمة حلول شاملة بحلول نهاية هذا الشهر، ليس فقط لإنهاء الأزمة، بل وأيضاً للحفاظ على استقرار اليورو. ولكن من المؤسف أنهم من غير المرجح أن ينجحوا في أداء هذه المهمة، وذلك لأن أغلب عناصر حزمة الحلول التي كشفوا عنها لا تعالج حتى الآن غير أعراض الأزمة، وليس الأسباب التي أدت إليها.اضافة اعلان
وتحب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن تؤكد، وبحق، على أننا لا ينبغي لنا أن نتحدث عن "أزمة يورو"، بل عن "أزمة ديون". ولو أضافت أن هذه أزمة ديون سيادية بقدر ما هي أزمة بنوك مصرفية، لكانت أصابت جانباً أعظم من الحقيقة.
ولكن النتيجة الطبيعية المباشرة لهذا التشخيص هي أن التعامل مع هذه الأزمة يتطلب إيجاد حل لمشكلة الديون ـ وهي مشكلة الجهات السيادية المثقلة بالديون والبنوك المفلسة. ولكن من المؤسف أن لا شيء يتم على أي من هاتين الجبهتين الحاسمتين.
ولعل الآليات المعقدة الجديدة لتنسيق السياسة الاقتصادية التي تهيمن على أجندة الاتحاد الأوروبي تكون مفيدة في حمل البلدان الأعضاء في منطقة اليورو على تبني سياسات أكثر عقلانية لزيادة قدرتها التنافسية وتعزيز مواقفها المالية. ولكن يتعين علينا أن نتذكر أننا كنا إلى وقت قريب نعتبر إيرلندا، وإلى درجة ما إسبانيا، من الأمثلة المشرقة للاقتصاد التنافسي القادر على خلق عدد قياسي من فرص العمل.
لذا فمن المشكوك فيه أن ينجح تنسيق السياسات الاقتصادية على نحو أوثق في منع الفقاعات من النشوء. وعندما تنشأ طفرات رواج قوية في قطاعات أخرى، فإن إغراء الاحتجاج بأن "هذه المرة مختلفة" سوف يصبح لا يقاوم مرة أخرى.
وعلى أي حال فإن الأسواق المالية لا تبالي كثيراً بالإطار المستقبلي لتنسيق السياسات في منطقة اليورو. بل إنها تحتاج إلى التعرف على الكيفية التي سوف يتم بها التعامل مع أعباء الدين القائمة اليوم.
ولكن ما الذي يجعل مشاكل الديون في البلدان التي يطلق عليها عادة "محيطية" (غير مركزية) تشكل أي أهمية بالنسبة للأسواق المالية؟ إن اليونان، وإيرلندا، والبرتغال، وهي البلدان التي تتأرجح الآن على حافة الإفلاس، تشكل أقل من 6 % من اقتصاد منطقة اليورو. ولن تمثل المشاكل التي تعانيها هذه البلدان قضية كبرى إذا كان النظام المالي الأوروبي قويا. ولقد تحولت أزمة الديون المحيطية إلى أزمة شاملة لأن النظام المالي في منطقة اليورو مترابط أكثر مما ينبغي وضعيف للغاية في الوقت نفسه.
ونظراً للترابط الوثيق بين الأسواق المالية في مناطق العملة المشتركة، فإن الضعف في أي ركن ينتقل إلى النظام بالكامل، الذي يعجز عن الاستقرار إلى أن ينتهي علاج كافة العناصر الرئيسية التي أدت إلى الضعف. ولكن أوروبا تفتقر على هيئة مشتركة تتمتع بالموارد المالية اللازمة لتثبيت استقرار النظام ككل. فمثل هذه الموارد توجد على المستوى الوطني، ولكن الاعتبارات والمصالح الوطنية المحضة توجه استخدامها في أغلب الأحوال. أو بعبارة أخرى: تواجه أوروبا مشكلة أساسية فيما يتصل بالعمل الجماعي.
ولقد أظهرت التجربة أن الأزمات الحادة فقط القادرة على إرغام زعماء أوروبا على العمل الجماعي وفي ظل جهود منسقة. ولكن في خريف العام 2008، وفي أوج الأزمة المالية العالمية، لم يفكر رؤساء دول منطقة اليورو في إنشاء صندوق مشترك لإنقاذ البنوك. بل استقروا بدلاً من ذلك على حزمة من التدابير الوطنية الرامية إلى تثبيت استقرار الأنظمة المصرفية الوطنية الواجد تلو الآخر.
والواقع أن الالتزام الأساسي في مجموعة كان مبهرا، حيث بلغ 20 % من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن استعراض الوحدة لم يدم طويلا. ذلك أن تنفيذ الحزمة لم يكن بالتساوي، حيث لم تفعل بعض البلدان أي شيء في نهاية المطاف. ولم تُعالَج نقاط الضعف الرئيسية في الأسواق المالية الأوروبية، بما في ذلك البنوك التي تفتقر إلى التمويل الكافي في البلدان المركزية، ولم يكن النظام قادراً على تحمل الموجة الثانية من الأزمة، التي اندلعت بسبب خسارة البلدان المحيطية لمصداقيتها في الأسواق المالية.
لقد تعامل الاتحاد الأوروبي مع أزمتي اليونان وإيرلندا بمنح كل من البلدين بعض الخطوط الائتمانية الجديدة. ولكن لم يُبذَل إلا أقل القليل من الجهد لتعزيز قدرة النظام المالي على تحمل العجز عن سداد الديون أياً كان حجمه. وكانت المحاولة الوحيدة التي بُذِلَت في هذا الاتجاه نشر نتائج اختبارات الإجهاد في شهر تموز (يوليو) 2010 لأكثر من تسعين من أضخم بنوك الاتحاد الأوروبي. ولكن ذلك الأمر أظهر مرة أخرى ماذا ينبغي لنا أن نتوقع في غياب أي هيئة مكلفة بالإشراف على الاستقرار الشامل على مستوى الاتحاد الأوروبي بالكامل. والواقع أن الجهات الإشرافية على المستوى الوطني لديها حافز دائم يدفعها إلى التوصل إلى نتيجة مفادها أن "بنوكنا آمنة"، حتى ولو كان تمويل العديد من المؤسسات هزيلاً إلى الحد الذي يؤدي إلى إضعاف النظام ككل.
ولقد تجلى مدى صدق هذه الحقيقة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2010، عندما تبين أن النظام المصرفي الإيرلندي، والذي حصل في شهر حزيران (يونيو) على شهادة تثبت صحته، كان مفلساً بالكامل. ولقد قررت السوق أن هذا قد ينطبق أيضاً على الحكومة الإيرلندية، التي بات من الواجب آنذاك إنقاذها بواسطة مرفق الاستقرار المالي الأوروبي.
ولن تنتهي "أزمة اليورو" إلا عندما ينتهي تهديد استقرار النظام المالي الإجمالي في منطقة اليورو بسبب مشاكل الديون في البلدان الواقعة على المحيط الخارجي لأوروبا. وهذا سوف يتطلب اتخاذ مجموعة من التدابير، مثل رفع متطلبات رأس المال على الديون السيادية، وإجراء اختبارات إجهاد حقيقية للبنوك، وتوسعة تفويض وصلاحيات مرفق الاستقرار المالي الأوروبي حتى يصبح بوسعه أيضاً إعادة تمويل البنوك، وليس إنقاذ البلدان فقط.
لقد أصبح ضمان الاستقرار المالي الشامل الشغل الشاغل للجميع اليوم. ويتعين على أجندة المجلس الأوروبي أن تضع على رأس أولوياتها تحقيق الاستقرار المالي الشامل بدلاً من الاهتمام بإنشاء آليات تفصيلية لتنسيق السياسات الاقتصادية أو رسم خطط كبرى لدعم القدرة التنافسية.

*مدير مركز دراسات السياسات الأوروبية.
خاص بـ"الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت 2011.