الصكوك الإسلامية السيادية .. التردد في الإصدار ونمو الدين العام

غسان الطالب*

تجربة الأردن في اصدارالصكوك الإسلامية السيادية انتابتها حالة من التردد بعد نجاح عملية الإصدار الأولى واليتيمة التي نفذت لصالح شركة الكهرباء الأردنية في العام 2016 وكان من المفترض ان تكون مقدمة لعدة اصدارات ذات طابع سيادي، مع القناعة التامة باهمية هذه الصكوك لبلد مثل الأردن، تنمو فيه المديونية العامة، حيث بلغ إجمالي الدين العام للمملكة في نهاية الربع الأول من العام الحالي حوالي 26 مليارا و542 مليون دينار ويمثل 95.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لنهاية الربع الأول من العام.اضافة اعلان
وبالمستوى ذاته للدين العام كنسبة من الناتج في نهاية 2016، وذلك بشقيه، الدين المحلي بالدينار الأردني والدين الخارجي والمقيم بالدولار، حيث أن الأخير يشكل عبئا والتزاما على الاقتصاد الوطني للجهات المقرضة قد يؤدي إلى نتائج غير محمودة العواقب يتعرض لها سواء من حيث الكلفة المرتفعة لهذا الدين أو في العلاقة المالية والتجارية مع العالم الخارجي، اضف الى ذلك عجز الموازنة والذي ينعكس على الدين العام طالما يترتب على الدولة دفع ما يترتب على هذا الدين من التزامات ما يسمى بخدمة الدين العام.
لهذا يبقى اللجوء إلى الاقتراض الداخلي وبالدينار الأردني خيارا اقل كلفة ويمكن كذلك للسلطة النقدية إذا أحسن استعماله أن يكون أداة ضبط للتضخم والمساهمة في الاستقرار النقدي للبلد.
ومن أبسط المفاهيم الاقتصادية التي تتعلق بالارتفاع في المستوى العام للأسعار أو انخفاضها، هو التغير في قيمة النقود انخفاضا أو ارتفاعا؛ فانخفاض القوة الشرائية لوحدة النقد السائدة، يتأثر من جرائها دخل الفرد، فأصحاب الدخول الثابتة هم الأكثر تضررا لتراجع كمية السلع والخدمات التي كانوا يحصلون عليها من كمية النقود نفسها التي اعتادوا دفعها؛ حيث يضطرون إلى دفع كميات نقدية أكبر من دخولهم، وما سيرافق ذلك من أعباء اجتماعية إضافة إلى الاقتصادية، التي ستكون في مجملها ذات نتائج سلبية على الاقتصاد الوطني، حتى لو رافقت ذلك زيادة في دخلهم في كل الأحوال، فإنها لن تعادل القيمة الحقيقية لوحدة النقد التي ابتلعها ارتفاع الأسعار، وسيرافق ذلك تراجعا في الإنتاجية للعاملين.
وكذلك تراجع في جودة الإنتاج وظهور بعض السلوكيات الاجتماعية المرفوضة والمضرة بالمجتمع؛ مثل تفشي ظاهرة الفساد والرشوة والعنف المجتمعي وما شابه ذلك، كما سيؤدي إلى حصول أرباب العمل على معدلات ربح فاحشة بسبب امتلاكهم الأصول الرأسمالية والمواد الأوليّة وجميع مستلزمات الإنتاج وانخفاض قيمة الديون التي في ذمّتهم؛ أيّ سيتم تسديد مديونياتهم بنقود أقل قيمة من القيمة التي اقترضت بها.
أما الأثر الثاني فسوف يكون على الاستثمار بشكل عام، حيث يتجه المستثمرون في مثل هذه الحالة إلى المضاربة في السلعة الضرورية لارتفاع الطلب عليها، وخصوصا الاستهلاكية أو الاستثمار في قطاع الخدمات للحصول على عائد سريع، وذلك على حساب قطاعي الصناعة والزراعة، كما سيتهربون في حالات التضخّم من الاستثمار في قطاع السلع الأساسية لاعتبارات تتعلق بعدم اليقين واحتمالية تدخل الدولة في هذا القطاع أو توجههم إلى الاستثمار في قطاع العقارات للمحافظة على رؤوس أموالهم، مما سيؤدي إلى حرمان الاقتصاد الوطني من فرص استثمار حقيقية.
والمشكلة الأخرى مرتبطة في موضوع التجارة الخارجية، فمن المعروف أن اقتصاداتنا في الدول النامية خاصة هي اقتصادات استهلاكية، بمعنى أنها تعتمد اعتمادا كبيرا على الاستيراد من العالم الخارجي، ما سيؤثر على ميزان المدفوعات، وتضطر الدولة إلى دفع كميات نقدية أكبر لتسديد قيمة هذه السلع، وبذلك فإن المواطن سيضطر إلى دفع ثمن هذه السلع بأسعار مرتفعة وستلحَق بالاقتصاد الوطني آثار مدمرة؛ منها اللجوء إلى المؤسسات المالية الدولية للاقتراض ضمن شروط سياسية واقتصادية أحيانا قاسية جدا وبمعدلات فائدة عالية ليس لاقتصادنا القدرة على تحملها، وسنجد أنفسنا مرة أخرى في دوامة المديونية الخارجية.
بعد كل هذا، أمامنا فرصة ذهبية، وهي الاستفادة من البيئة الاستثمارية المهيئة للقبول بالصكوك الإسلامية، فهو خيار استراتيجي وبديل منطقي وأخلاقي للجوء إلى الاقتراض الخارجي أو العبث بسعر صرف الدينار وأن نتجه إلى المصارف الإسلامية العاملة في اقتصادنا الوطني، التي تقع عليها مسؤولية أخلاقية ووطنية، خصوصا أنها تمتلك معدلات سيولة مرتفعة تسعى لتوظيفها، علما أن الصكوك الإسلامية تمثل إحدى أهم الأدوات المالية لتوظيف السيولة وتقديم التمويل المنسجم مع فلسفة هذه المصارف.

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي