الطريق إلى طفل متميز

د. محمود أبو فروة الرجبي

السؤال المتعب الذي يلح على ذهن كل أب وأم هو: “كيف يمكن أن أربي ابني بطريقة تجعله متميزا، وقادرا على التأقلم مع الحياة، ولديه مهارات ذكية تقلل من وقوعه في الخداع والتضليل؟”، وسر ذلك هو مهارات التفكير الناقد التي تأتي من طريقة تعامل الأهل مع طفلهم.اضافة اعلان
أحوج ما نكون في عصر الرقمية إلى مهارات التفكير الناقد، خاصة في ظل التضليل الإعلامي في عالم الإنترنت، وهذا – حسب وجهة نظري- انعكس على الواقع الحياتي وعلم – البعض- مهارات جديدة في الخداع، والتضليل الحياتي بحيث أصبح من السهولة بمكان خداع الناس، والإيقاع بهم بطريقة محبوكة، ومن خلال حيل قد لا تخطر على البشر.
تشير بعض الدراسات إلى أن طريقة الحياة التي يعيشها الإنسان تحدد واقعه، ومستقبله، وبالنسبة للطفل، فإن طريقة تعامل أهله مع الأحداث المحيطة بهم، وسلوكياتهم المختلفة تؤثر في بنائه الفكري، والمعرفي، والثقافي، واتجاهاته نحو الأشياء والقضايا، لذلك، فيجب الحذر من طريقة التعامل مع الحياة من قبل الأهل، لأن أي خطأ بردة أفعالهم حول الآخرين قد تؤثر على أطفالهم في الحاضر والمستقبل.
سأعطي مثالا واحدا. العائلة التي تتعامل بعدائية مع الجيران، وتتعدى عليهم، ولا تحترمهم، ينشأ طفلهم عدوانيا، وقد يؤدي به الأمر إلى مخالفة القانون ودخول السجن، لكن في المقابل فإن أبناء العائلة الراقية فكريا يتصرفون عادة بشكل أفضل.
هذا الأمر ينطبق على كل شيء، عندما تتعامل – أمام طفلك – بذكاء مع الأحداث التي تمر بك، وتفكر بها بعمق، وتتناقش مع عائلتك بكيفية مواجهتها، وتناقش أفكارهم بعقلانية، وضمن معايير محددة، وذكية، سيقوم طفلك (بنسخ) نعم نسخ تصرفاتك وطريقة تعاملك معها، ويتعامل مع الأمور بمثل هذه الطريقة الذكية، فيمتلك جزءا من مهارات التفكير الناقد.
وعلى العكس من ذلك، فإن العائلة التي تتعامل مع الأمور بغوغائية، ودون عمل حوار مع أفراد العائلة، وإظهار آليات اتخاذ القرار، ومناقشة حيثياته، والمعطيات حوله، تنتج طفلا غير قادر على التفكير السليم، يتصرف دون إعمال العقل، وبطريقة قد تؤدي إلى زيادة أخطائه في الحياة.
يمكن لأي عائلة أن تحسن من طريقة الحوار بين أفرادها، وأن تحاول دائما أن تبين للأطفال السبب وراء كل تصرف، وأن تمارس أسلوب الاحتمالات في مواجهة أحداث الحياة، أي نتخيل عددا من الحلول للمشاكل، ونتناقش في نتائجها، واحتمالاتها، كي نختار الأفضل.
ومن أهم القيم التي تعزز التفكير الناقد تربية الأطفال على الفكر الحر القائم على احترام الآخر، واعتبار التعددية من إيجابيات الحياة، والابتعاد عن العنصرية، والجهوية، والطائفية، ووضع معايير علمية لتقييم الأفعال بعيدا عن مصيبة القاعدة الشعبية التي تقول: ابن عمي محترم ولو لم يكن محترما، والغريب غير محترم ولو كان أفضل الناس.
وفوق كل ذلك لا بد من تشجيع الطفل على القراءة المفيدة الواعية، وتثقيفه بكل الوسائل السمعية، والمرئية والمقروءة، ومشاركته في مبادرات ونشاطات مختلفة، وترسيخ مفهوم العمل التطوعي، وخدمة المجتمع في عقله، وهذا كله يجعله مختلفا ومتميزا.
بهذه الطرق نساعد أمتنا على التطور، ونجعل من أطفالنا شخصيات ثرية فكريا وحضاريا، وقادرة على الإبداع والابتكار، وأن تكون وطنية بحق، وتعرف أن الوطنية الحقيقية تكون باحترام القانون، والإنجاز، ومحبة الآخرين، والابتعاد عن العنتريات الجاهلية، والافتخار الدائم بما لا يفتخر به.
بلدنا الأردن، ووطننا العربي الكبير يحتاج منا إلى إنشاء جيل متميز بأخلاقه العالية، وتفكيره الناقد، وإنجازاته الحقيقية البعيدة عن الافتخار السلبي بالأصل، وإنجازات الأجداد، فكل ذلك لا يغير من الواقع شيئا.