مرصد "أكيد".. ومسؤوليات الإعلام القانونية والمهنية

د. أشرف الراعي
د. أشرف الراعي
في الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية «بترا»، سجل مرصد مصداقية الإعلام الأردني (أكيد) الصادر عن معهد الإعلام الأردني، 71 إشاعة، صدرت وانتشرت بين جمهور المتلقين خلال شهر نيسان، ووصلت إليهم عن طريق وسائل إعلام محلية وخارجية، ومنصات التواصل الاجتماعي، وهو موضوع لطالما نحذر منه ونطرح خطورته في مختلف الندوات واللقاءات الصحفية والإعلامية والأبحاث العلمية، لما له من انعكاسات سلبية على مجتمعنا في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يعاني منها وطننا الغالي.اضافة اعلان
وقبل أن نتناول بالتحليل والتدقيق العقوبات القانونية على تداول الإشاعات لا بد من الإشارة إلى أن جلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله ورعاه، أكد غير مرة على ضرورة الالتزام بالمعايير الصحفية والمهنية والأخلاقية، وهو دور على المؤسسات الصحفية أن تقوم به، كما هو على نقابة الصحفيين الأردنيين، إلى جانب القانونيين والمهنيين والمتخصصين والخبراء الذين يتوجب عليهم طرح هذا الموضوع على طاولة البحث.
إن مسؤوليات الإعلام تنطلق من ضرورة توعية المجتمع بكل ما يدور حوله من أحداث ووقائع، وفي حال تضخيم هذه الوقائع أو عدم وجود ما يدعم صحتها، فيكون الناقل قد وقع في المحظور ونقل معلومات مغلوطة، لا سيما في الوقت الذي يتعاظم فيه دور «المواطن الصحفي» الذي أصبح يتناقل المعلومات والبيانات من خلال هاتفه الجوال، لا بل إنه لا بد من الإشارة إلى معلومات مهمة في هذا السياق وهي أن «مرصد أكيد» أوضح أن عدد الإشاعات التي جرى نفيها خلال الشهر الماضي بلغ 13 إشاعة من أصل 71 إشاعة، وهو رقم قليل جداً مقارنة بما انتشر وخطورته وآثاره السلبية، لا بل أشار إلى معلومات لا بد من التوقف عندها وهي أن 60 إشاعة، بنسبة 84.5 %، كان مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي، فيما أطلقت وسائل إعلام 11 إشاعة بنسبة بلغت 15.5 %، وهو ما يشير إلى أهمية دعم وسائل الإعلام التقليدية وتطوير أدواتها القانونية.
كيف تعامل القانون مع تداول الإشاعات؟
أما عن التأصيل القانوني للتعامل مع الإشاعات، فقد نص الدستور الأردني على حرية الرأي والتعبير في الفقرة الأولى من المادة 15 من الدستور والتي جاء فيها «تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون»، ما يعني معه أن الإشاعات أو الإشاعات تخرج من إطار حرية التعبير التي نظمها الدستور ووضع لها ضوابط يجب عدم الخروج عليها، وهي المنصوص عليها في كل من قانون الجرائم الإلكترونية وقانون العقوبات وقانون المطبوعات والنشر وقانون نقابة الصحفيين الأردنيين، فضلاً عن ميثاق الشرف الصحفي وغيرها من النصوص القانونية التي تتعلق بالإعلام بشكل مباشر أو غير مباشر وعددها يصل إلى 30 قانوناً.
ومع تطور مفهوم وسائل الإعلام وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، جاء قانون الجرائم الإلكترونية الأردني رقم 17 لسنة 2023 والذي نص في المادة 15 منه على تداول الأخبار الكاذبة بقوله:
«أ- يعاقب كل من قام قصدا بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو الموقع الإلكتروني أو منصات التواصل الاجتماعي تنطوي على أخبار كاذبة أو ذم أو قدح أو تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقل عن (5000) دينار ولا تزيد على (20000) دينار، أو بكلتا هاتين العقوبتين.
ب- تلاحق الجرائم المنصوص عليها في الفقرة (أ) من هذه المادة من قبل النيابة العامة دون الحاجة الى تقديم شكوى أو ادعاء بالحق الشخصي إذا كانت موجهة الى احدى السلطات في الدولة أو الهيئات الرسمية أو الإدارات العامة أو إلى أحد أعضائها أو إلى أي موظف عام أثناء قيامه بوظيفته أو بسبب ما أجراه بحكمها».
كما تنص المادة 16 من القانون ذاته على أنه «كل من أشاع أو عزا أو نسب قصدا دون وجه حق إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو تقنية المعلومات، أو نظام المعلومات، أو الموقع الإلكتروني، أو منصات التواصل الاجتماعي أفعالا من شأنها اغتيال شخصيته يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر أو بغرامة لا تقل عن (5000) دينار ولا تزيد على (20000) دينار، أو بكلتا هاتين العقوبتين».
كما نصت المادة 21 من قانون الجرائم الإلكترونية الأردني رقم 17 لسنة 2023 على أنه «كل من طلب أو قبل لنفسه، أو لغيره هدية، أو وعدا، أو أي منفعة أخرى سواء تم ذلك داخل المملكة أو خارجها لينشر أو يعيد نشر محتوى غير قانوني أو أخبارا زائفة، باستخدام شبكة معلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو موقع إلكتروني أو منصة تواصل اجتماعي يعاقب بالحبس من سنة الى ثلاث سنوات وبغرامة تعادل قيمة ما طلب أو قبل من نقد أو عين على أن لا تقل عن (5000) خمسة آلاف دينار».
أما قانون العقوبات الأردني فقد نص على حالاتٍ ومفاهيم مُختلفةٍ، في المواد من 130 إلى 132؛ حيث نصت المادة 130 من قانون العقوبات الأردني على أن «من قام في المملكة زمن الحرب أو عند توقع نشوبها بدعاية ترمي إلى إضعاف الشعور القومي أو إيقاظ النعرات العنصرية أو المذهبية عوقب بالأشغال المؤقتة».
ومن هنا نلاحظ أن هذا النص اقتصر على حالة الحرب أو توقع نشوبها؛ أي أنه إذا ما قام شخص ببث دعاية كاذبة في وقت السلم، فإنه يخرج من التجريم الذي يشمله هذا النص، وكذلك يجب أن يكون الهدف الذي يسعى الشخص من خلاله إلى بث هذه الدعاية هو إضعاف الشعور القومي، أو إيقاظ النعرات العنصرية، أو المذهبية، بمعنى أن الركن المعنوي للجريمة يتمثل في أن تتجه إرادة الجاني إلى ذلك، على أن يكون ذلك في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها.
كما نصت المادة 131 إلى أنه:
«1ـ يستحق العقوبة المبينة في المادة السابقة من أذاع في المملكة في الأحوال عينها أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة.
2ـ إذا كان الفاعل قد أذاع هذه الأنباء وهو يعتقد صحتها، عوقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر».
وكما أرى فإن هذا النص يعد مطاطاً إلى حد ما، حيث نصت على أنه يستحق عقوبة الأشغال المؤقتة من أذاع أنباء يعرف أنها كاذبة ومن شأنها أن توهن نفسية الأمة، ومن هنا لا بد من التساؤل ما هي الأمة التي قصدها المشرع؛ هل هي أبناء الوطن، أو المجتمع الأردني بمختلف فئاته أم قصد الأمة العربية أم الأمة الإنسانية، كما نص على أنه إذا ما أذاع هذه الأنباء وهو يعتقد بصحتها فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وذلك لطبيعة هذه الأنباء من دور في إضعاف الشعور الوطني لدى المجتمع، لكن هذا النص لم يشترط وقوع حرب. لذا أرى بأن المشرع كان يمكن له أن يدمج هذه المادة مع سابقتها بصورة أكثر وضوحاً، فضلا عن كون هذه العقوبة عقوبة بسيطة، وغير رادعة.
كما تنص المادة 132 على أن:
«1ـ كل أردني يذيع في الخارج وهو على بينة من الأمر أنباء كاذبة أو ومبالغ فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها يعاقب بالحبس مدة لا تنقص عن ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على 50 ديناراً.
2ـ يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة إذا كان ما ذكر موجهاً ضد جلالة الملك أو ولي العهد أو أحد أوصياء العرش».
أرقام وتحديات واقتراحات
لكن المعضلة الأساسية التي تواجه المشتكي في هذه الحالة وجود حسابات وهمية أو مزيفة وهنا فإن ذلك قد يصعب من عملية الإثبات استناداً إلى القاعدة البينة على من ادعى، ومن هنا جاء تأسيس وحدة الجرائم الإلكترونية في الأمن العام التي مهمتها تتبع هذه الجرائم ومرتكبيها والتوصل إليهم وإحالتهم إلى القضاء لتطبيق المقتضى القانوني عليهم، خصوصاً إذا ما علمنا أن حصة المصادر الداخلية للإشاعات 51 إشاعة من مجمل حجم الإشاعات لشهر نيسان بنسبة والتي بلغت 72 %، وسجلت 20 إشاعة من مصادر خارجية بنسبة 28 %، وهي أرقام لا بد من التوقف عندها.
ومن هنا، فإني أقترح على معهد الإعلام الأردني تنظيم دورات مباشرة للصحفيين في هذا الإطار بالتعاون مع مختصين وخبراء، كما أقترح على نقابة الصحفيين تنظيم هذا النوع من الدورات بالشراكة مع المؤسسات الصحفية المعنية، حتى لو تم تكرار التجربة من قبل المعهد، فضلاً عن أهمية الدور الذي يجب أن تلعبه هيئة الإعلام في هذا المجال من خلال وضع إستراتيجية طويلة الأمد للتوعية القانونية للصحفيين على غرار تجربة المجلس الأعلى للإعلام سابقاً.