"القبوات" أكلة شامية تحتفظ بعشاقها

"القبوات" أكلة شامية تحتفظ بعشاقها
"القبوات" أكلة شامية تحتفظ بعشاقها

رنّه العامر
 
دمشق- عشّاقها كثر، يتوارثونها جيلا عن جيل ويتفننون في طبخها ووصفها والتلذذ بمذاقها العربي الأصيل الذي لم تخالطه روح العصر، "الكرشات أو المقشات أو الكوارع"، على اختلاف تسميتها بين الدول العربية، ما تزال تتصدر مكانتها بين الأكلات الشعبية التي تتسم بدسامتها وتحتفظ بلمتها العائلية.

من ذات الإناء، وعلى نفس المائدة، تتسابق الأيادي لتغوص بأصابعها جميعها لا بـ "الشوكة والسكين"، لتناول "الكرشات" وشقيقاتها من "المقادم واللسانات والنخاعات، ولحم الرأس" وسواها.

وفي قلب العاصمة السورية، دمشق، يتفاخر أصحاب مطاعم شعبية مشهورة بأكلات "القشة" أو "الكرشة"، وبالتحديد أكلة "القبوات"، حيث تتزاحم الأقدام على أبوابهم في سوق "باب السريجة" و"الميدان"، وتؤكل "الكرشات" بالحبة، وكذا حال شقيقاتها مثل "المقادم والرأس، والنخاع"، على عكس "السجقات" التي يطلبها الزبون بالوزن لا بالعدد.

وأكلة "القبوات"، كما تعرف باللهجة الشامية، قديمة تناقلت طريقة صناعتها الأمهات عن الجدات منذ مئات الأعوام، وعن هذه الأكلة تتحدث ربة المنزل الستينية عائشة الخباز "القبوات أكلة ثقيلة ودسمة ويكثر الطلب عليها تحديدا في أيام البرد".

وتضيف النجار أن "تطور الزمن ومرور الوقت، قلص كثيرا عدد العائلات التي تقوم بإعداد القبوات في المنازل هذه الأيام"، عازية ذلك "لما تحتاجه من جهد وتعب، خصوصا في عملية التنظيف".

وبابتسامة وثقة تقول الخباز "بصراحة من لم يأكل القبوات لا يعرف طعم الأكل المميز"، مشيرة إلى أن هذه الأكلة "تتطلب عناية خاصة وتأنيا في طبخها إذ تحتاج إلى تنظيف جيد، وقش الزفرة (أي المادة الدسمة التي تخرج أثناء طبخها)، بخاصة أنها طبقة سميكة، لذا لابد من تناول هذه الوجبة وهي ساخنة".

ومع تراجع عمل ربات المنازل لإعداد "القبوات"، وجد أصحاب المطاعم الفرصة سانحة لاجتذاب عشاق "الأكلة الدسمة"، وفي هذا الإطار يقول أحد العاملين في المحلات المتخصصة بالأكلات الشامية القديمة في "ميدان دمشق" عبدو النحاس "منذ الصغر وأنا أسمع عائلتي تتحدث عن أكلة القبوات، التي يشتهر فيها المطبخ السوري، وكذلك في بعض البلدان العربية، وإنما بتسميات أخرى"، بيد أنه يلفت إلى أن "دمشق أكثر شهرة بها من غيرها فهي أكلة شامية قديمة".

وتضم "القشة" وفق الثلاثيني النحاس الرأس، النخاع، المقادم، القباوة، السجقات، الكرشة، وتسمى عند البعض الحفاتي (جمع حفتاية)، وعند آخرين "غمّات".

من جانبه يشرح صاحب ملحمة خاروف في منطقة الميدان بدمشق نصري قداح مصدر بعض أكلات "القشة" قائلا "القباوة هي جزء من معدة الخاروف وجزء من القولون، أما السجقات فهي عبارة عن الأمعاء الغليظة للخاروف، في حين أن الكرشة هي ما تبقى من معدة الخاروف، أما المقدم فهو كراعين الخاروف (أي أرجله)، والنخاع فهو مخ الخاروف".

وعن مقادير وطريقة طبخ أو تجهيز "القبوات"، يلفت النحاس إلى ضرورة الاهتمام بمصدر لحمة "القبوات" في البداية، ومن ثم تنظيفها جيدا بالماء، من الداخل والخارج، و"يمكن استعمال الصابون والمزيد من الماء، ثم يجري كشطها بالسكين من الداخل والخارج، وتغسل من جديد بالماء، من دون نقعها بالخل كما يظن البعض لأن الخل يذيبها، ومن ثم يتم تقطيعها بشكل مربعات حتى يسهل تشكيلها فيما بعد".

ويلفت إلى أهمية "مراعاة التخلص من العروق (الشرايين)، التي لا يمكن أن تنضج، وعادة يوجد في كل معدة حسب حجمها عرقان أو ثلاثة عروق".

ولتجهيز وجبة لذيذة، بحسب النحاس، يتوجب تحضير "قبوات منظفة جيدا، أرز، لحم مفروم ناعم، حمص مسلوق منزوع القشر، سمن، بهار يشتمل على كمية واضحة من الكمون، قرفة، هال مطحون، أوراق غار، صنوبر، ملح، وفلفل حسب الرغبة".

ويتابع النحاس "بعد تحضير الحشوة توضع مقادير متساوية في كل قطعة من "القبوات" التي جرى تنظيفها وتقطيعها على شكل مربعات، ثم نضع كل طرف من القبوات على الآخر له، ونبدأ بالخياطة على أن يترك طرف مفتوح لحشو القطعة بالخلطة المعدة سابقا، ولكن من دون أن نملأها بشكل كامل حيث يترك ربعها على الأقل فارغا حتى ينضج الأرز وبعد ذلك يخاط الجزء المفتوح، ونكرر العملية مع بقية القطع".

ويكمل النحاس "في هذه الأثناء نكون قد وضعنا في قدر الطبخ ماء وملحا وورق الغار، وتركناه على النار حتى يغلي، ومن ثم نضع القبوات فيه، وكلما شاهدنا الزفرة (الدهنة على وجه الطبخة) نقشها (نزيلها)، ثم نغطي القدر ويبقى على نار هادئة ولمدة ساعتين تقريبا حتى تنضج الطبخة ثم تصفى من المرقة وتقلى بالسمن حتى تحمر، وتقدم مع المخلل واللبن الرائب".

[email protected]اضافة اعلان