امنعوا صندوق النقد الدولي من دخول أوروبا

ماريو بليجر، إدواردو ليفي ياياتي*
بوينس أيرس - في الآونة الأخيرة سرت شائعة قصيرة العمر مفادها أن صندوق النقد الدولي يعمل على جمع حزمة مساعدات قيمتها 600 مليار يورو (803 مليارات دولار أميركي) لمنحها لإيطاليا بهدف منح حكومتها الجديدة الوقت اللازم (نحو ثمانية عشر شهرا) لتنفيذ برنامج التكيف الضروري. وباستثناء حجم هذه الحزمة، فإن الأمر لا يبدو مختلفاً عن برامج التكيف المعيارية التي يتبناها صندوق النقد الدولي ـ النوع الذي تعودنا على رؤيته (وانتقاده) في دول العالم النامي ـ ولكنْ، هناك فارق واحد حاسم: فإيطاليا جزء من ناد خاص لا يحتاج أموال إنقاذ من الخارج.اضافة اعلان
فحتى الآن، كانت برامج إنقاذ بلدان منطقة اليورو الطرفية تتم بقيادة حكومات أوروبية وبتمويل منها إلى حد كبير، وكان صندوق النقد الدولي يساهم ماليا، ولكنه كان يعمل في الأساس كمستشار خارجي، الطرف الثالث الذي يبلغ العميل بالشروط المزعجة في حين يحدث كل الحاضرين في الغرفة في الأرضية.
وفي المقابل، أصبحت محاولة حشد الموارد المتعددة الأطراف في أوروبا صريحة عندما دعا وزراء مالية منطقة اليورو في تشرين الثاني (نوفمبر) إلى تعزيز موارد صندوق النقد الدولي ـ من خلال قروض ثنائية مولدة للدين ـ حتى يتسنى له "التعاون بشكل وثيق" مع مرفق الاستقرار المالي الأوروبي. وهذا يعني أننا نستطيع أن ننظر إلى تلك القصة القصيرة العمر عن حزمة صندوق النقد الدولي العملاقة لإيطاليا، والتي كان من المفترض أن تمول إلى حد كبير بالاستعانة بأموال غير أوروبية، باعتبارها وسيلة لتغيير قواعد اللعبة: ففي حين قد لا تحصل إيطاليا أبداً على مثل هذه الحزمة، فإن أوروبا عازمة كما يبدو على حل مشاكلها باستخدام أموال جهات أخرى.
وهناك ثلاثة أسباب على الأقل من شأنها أن تدفع صندوق النقد الدولي إلى مقاومة هذه الضغوط، والامتناع عن زيادة تعرضه (المرتفع للغاية بالفعل) لأوروبا.
السبب الأول والأكثر وضوحاً أن أوروبا لديها بالفعل مُقرض الملاذ الأخير الخاص بها. فالبنك المركزي الأوروبي قادر على إتاحة كل المبالغ المطلوبة باليورو لدعم ديون إيطاليا. وطباعة هذه المبالغ سوف تعوض فقط، عبر التضخم المعتدل، عن الآثار المترتبة على تعديل الأسعار النسبية البالغ القسوة، والذي يجري تحت درع العملة المشتركة.
إنه لأمر محير إذن أن يهلل بعض المراقبين لتدخل صندوق النقد الدولي باعتباره جهداً حميداً من جانب المجتمع الدولي لإرشاد سفينة الاتحاد الأوروبي إلى بر الأمان. فلماذا يتعين على صندوق النقد الدولي (أو المجتمع الدولي في هذا الشأن) أن يفعل من أجل أوروبا ما تستطيع أوروبا أن تقوم به، ولكنه لا تريد القيام به من أجل إيطاليا؟ ولماذا يتم حشد أموال دولية لتغطية ثمن إخفاقات الإدارة الأوروبية؟
وإذا كانت ألمانيا تمارس لعبة "من يجبن أولا" المحفوفة بالمخاطر، كما يبدو الأمر بالفعل، مع بعض الشركاء في منطقة اليورو، فلماذا ينبغي أن يتم تحويل التكاليف إلى صندوق النقد الدولي لصالح أضخم وأنجح اقتصاد في أوروبا؟ إن السماح للبنوك المركزي الأوروبي بالخروج من ورطته على هذا النحو من شأنه أن يضفي الشرعية في أوروبا على نفس الخطر الأخلاقي الذي خشيه الزعماء الألمان وغيرهم من الزعماء الذين رفضوا تدخل البنك المركزي الأوروبي.
والسبب الثاني لتجنب تدخل صندوق النقد الدولي في أوروبا هو أن إقراض دولة من المحتمل أن تعجز عن سداد ديونها من شأنه أن يخلف عواقب وخيمة على الصندوق. فبالتمتع بوضع الدائن المفضل لدى صندوق النقد الدولي بالقيمة الاسمية، سوف يترتب على قرض صندوق النقد الدولي استبدال دين "لا يمكن التخلف عن سداده" بدون "يمكن التخلف عن سداده" مع حاملي السندات، لأن أموال الصندوق تستخدم في الأساس لخدمة أقساط السندات المستحقة. ونتيجة لهذا فإن مجموعة من حاملي السندات المحظوظين سوف يتم إنقاذهم على حساب هؤلاء الذين أصبحوا ثانويين بالنسبة لدين صندوق النقد الدولي وظلوا معرضين بدرجة خطيرة إلى إعادة هيكلة محتملة. وبما أن "تقليم" أصل الدين لا يمكن فرضه إلا على ما تبقى من الدين الخاص الذي يمكن التخلف عن سداده، فكلما زادت حصة صندوق النقد الدولي كلما كان التقليم مطلوباً لاستعادة القدرة على تحمل الدين.
ولنفس السبب فإن قروض صندوق النقد الدولي من الممكن أن تتحول إلى تركة ثقيلة من منظور السوق. ولأنها تمثل مطالبة رئيسية هائلة، فإن هذه القروض قد تعمل على تثبيط الإقراض الخاص الجديد لأعوام طويلة مقبلة.
وهذا يقودنا إلى السبب الثالث لضرورة امتناع صندوق النقد الدولي عن التدخل في أزمة أوروبا: فماذا لو فشلت أسبقية صندوق النقد الدولي؟ إن وضع الدائن المفضل الضمني يستند إلى ممارسات البنك المركزي التي تثبت أن مُقرِض الملاذ الأخير هو "آخر الداخلين وأول الخارجين". وهذه الأسبقية هي التي تمكن صندوق النقد الدولي من الحد من خطر التخلف عن السداد حتى يتسنى له إقراض الدول بأسعار فائدة معقولة عندما تمتنع كل الجهات الأخرى عن ذلك. ولن ينجح هذا إلا إذا كانت حصة صندوق النقد الدولي في دين أي دولة صغيرا، وكان لدى تلك الدولة الموارد الكافية لخدمة الدين.
ولكن الأسبقية ليست بهذه الدرجة من الثبات: ذلك أن الاقتصادات الفقيرة العاجزة عن السداد حتى لصندوق النقد الدولي مؤهلة لخفض الدين بموجب برنامج الدول الفقيرة المثقلة بالديون، ولقد حظيت 35 دولة بهذه الميزة منذ إنشاء البرنامج في العام 1996. ولكن ماذا قد يحدث إذا أصبحت إيطاليا في غضون خمسة أعوام مثقلة بديون صندوق النقد الدولي؟ وماذا لو مثَّل الدين الخاص حصة صغيرة إلى الحد الذي قد يجعل أي تقليم لأصل الدين غير قادر على استعادة الاستدامة، فيضطر المقرضون إلى المشاركة بتخفيف بعض أعباء الدين؟
إن أسبقية صندوق النقد الدولي تشكل مبدأً غير مكتوب، مدعوماً بتوازن دقيق، حيث تعمل القروض الضخمة على اختبار الحدود. ومن هذه المنظور، فإن اقتراح استخدام صندوق النقد الدولي كممر يقود إلى موارد صندوق النقد الدولي (وبالتالي الالتفاف حول القيود المفروضة بواسطة معاهدات الاتحاد الأوروبي)، مع تزويد البنك المركزي الأوروبي بوضع الدائن المفضل، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم تعرض صندوق النقد الدولي للمقترضين الخطرين. وقد يُنظَر إلى هذا الترتيب باعتباره انتهاكاً غير مبرر لأسبقية الصندوق، والذي يعمل فضلاً عن ذلك على تحرير البنك المركزي الأوروبي بشكل غير عادل من الحاجة إلى فرض شروطه الخاصة على أحد أعضائه.
إنه لأمر بلا معنى أن يتحمل المجتمع الدولي هذه المجازفة غير الضرورية. ولا نملك الآن إلا أن يكون أصحاب المصلحة في صندوق النقد الدولي من غير الأوروبيين قادرين على احتواء الضغوط. إن الحل لأزمة أوروبا ليس أموال صندوق النقد الدولي، بل أموالها الخاصة.


*ماريو بليجر محافظ البنك المركزي الأرجنتيني الأسبق. وإدواردو ليفي ياياتي أستاذ الاقتصاد في جامعة توركواتو دي تيلا.
خاص بـ"الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت.