"ديكتاتوري الحبيب.. ديكتاتوري المُفدَّى"!

من ضمن مخرجات الربيع العربي، وثقافاته الجديدة أن اكتشفنا أن الكثيرين في الشارع العربي، على تباين وعيهم، ليسوا ضد فكرة الديكتاتور من حيث المبدأ؛ لكنهم يريدونه من طائفتهم، أو قبيلتهم، أو حتى من “حارتهم” ان نجح الأمر!اضافة اعلان
بخلاف ذلك فليست الديكتاتورية هي ذاتها محلَّ خلاف!
فها نحن نرى الكثيرين يدافعون عن “رئيس ما” يفتك بشعبه منذ خمس سنوات، ونرى أيضاً الكثيرين ضده، رغم أن كلا الكثرتين تعرفان تماماً أنه مستبد وأنه جائر، (دعك طبعاً من المبررات الطريفة التي يسوقها مؤيدوه من قبيل الممانعة والمقاومة وتحرير فلسطين)، ولكن الفكرة التي تجلب الانتباه أن الذين يثورون ضد ديكتاتور ما، لسطوته وقمعه للرأي الآخر، يمارسون هم لاحقاً قمعاً أشد وسطوة أمضى.
الحديث هنا ليس عن الثورة السورية. بل حديث بالمجمل.
فكثير من الزعماء الراحلين كانوا ديكتاتوريين بدرجةٍ ما، لكنهم كانوا أيضاً أصحاب مشروع قومي أووطني، وفكرة المشروع الذي قدمه هؤلاء كانت تواري سوأة الاستبداد، والذي لم يكن استبداداً شهوانياً تجاه الحكم كالذي يحدث الآن، بقدر ما كان أحياناً دفاعاً مستميتاً عن المشروع ذاته !
بخلاف”الرئيس الـ ما” الذي يفتك بشعبه منذ خمس سنوات لكنه لايملك حتى كهؤلاء السابقين سمات أو كاريزما الديكتاتور ويبدو كمنشة ذباب في الهواء، ولا يملك مشروعاً سوى البقاء في الحكم!
فالمواطن العربي لم يكن ضد فكرة سطوة الحاكم إن كان من طائفته أو جماعته أو برنامجه السياسي. بدليل ما نراه الآن من دفاع مستميت عن قتلة ومجرمي حرب فقط لأنهم من “جماعتنا” وليسوا من الجانب الآخر، وهو ما يتورط فيه مثقفون ونخبويون وعلمانيون صاروا فجأة من أشد المتحمسين للطائفة والمذهب!
حتى أحزاب اليسار التي قام خطابها بالمجمل على مناهضة الاستبداد ظل امناؤها العامون على كراسيهم أزيد من اربعين عاماً !
الفكرة إذاً أننا لم نكن ضد الديكتاتور كنهج، بل ضد عشيرته واسمه الرباعي وطائفته، وكنا سنصفق له لو كان من أقاربنا أو من مذهبنا! بل ان المدافعين عن الديكتاتور من عامة الناس أكثر شراسة من جنده العسكر، واكثر مبالغة في الاتهامية والتخوين، فأنت ان اتهمت “الحزب الفلاني” بأنه يخوض حرباً طائفية اتهموك بأنك تقبض من كذا بنك وأنك جاسوس امريكي، دون ان يرفّ لهم جفن، ولا تفهم كيف يعطي هؤلاء انفسهم الحق في الإصطفاف الى جانب مشروع ما، ثم تصير خائناً وعميلاً ان مارست حقك الشبيه بالاصطفاف الى جانب آخر، مع غض النظر عن الخطأ والصواب، رغم أن الحلال والحرام هنا كلاهما بيّن وليس بينهما أي مشتبهات !
ويتجاهل هؤلاء أن الديكتاتور ليس له دين، ولا طائفة، فطائفته مساعدوه الخُلَّص، وأعوانه، وجلّادوه. بل ربما يكون قد نسي طائفته منذ زمن، فالديكتاتور لا يقيم وزناً للطائفة ولا للدين ولا للشعب كلّه!..
لكن الحمقى من الشعب يعتقدون دائماً ان الديكتاتور متمسك بكرسيه دفاعاً عن عشيرته أو مذهبه حتى كاد هؤلاء يخرجون للشارع هاتفين: “ديكتاتوري الحبيب.. ديكتاتوري المُفدَّى“!